vendredi 28 juin 2013

خِطَابُ وَدِيعَةِ اُلْوَداعِ الأخير


                   
خِطَابُ وَدِيعَةِ اُلْوَداعِ  الأخير

الإهداء  : إلى كُل اُلزَّميلات واُلْزُّمَلاء فِي
"معْهد بن عروس "واحدا واحِدا واحدة واحــدة
"وهل تُطيقُ وداعًا أيُّهَا اُلْرَّجُل"
اُلْفَتَى سِرُّ أبيــهِ وأمّــهِ ولِلْوطَنٍ الْبقيَّــة.
أنَا مُرْتَبِكٌ حينَ هَذا اُلْــحِينِ . أكْتُبُ... وأمْحُو . أمْحُو وأكْتب لما أصابني من تلعثم عاطفي  وفيروز تُرَدّد
" ياليل اُلْصَّب مَــتَى  غَدُه .. ؟ "
كَتبتُ تَحْديدا أوَّل مَا كَتبتُ   أكْثَر   منْ   كَلِمَة منْ "خِطاب وديعَة  اُلْوَداعِ .. اُلْأَخِير" . كِلمَة أرَدْتُ أنْ أقَدِّمها خِلال
" مَأدبة " تكْريم ... في حَاضِنَة "معْهَد بن  عروس" العاطفية و البيداغُوجية   بَعْد سَنوات تَدْريس ...  "الفلسفة"     وقُمْت   بِمَحْوها ... بمِمْحَاةِ اُلْألم  أكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ  كَاملة وأعيد اُلْكَرَّةَ تِلْــو اُلْدَّمْعَةٍ   :   منْذُ  دَخلتُ "مدرسة أحْمَد دُولـة" بقصر قفصة ... وآلتي أسَّسَها وأهْداها   للجُمْهوريَّة  التُّونسيَّة"  ... إلى حين "الإحَالة عَلى شَرف المِهْنة " كُنتُ صادقًا مع نَفْسي واُلزُمُلاء الأحْرار والزَّميلاَت اُلحَرائِر   و  اُلْوَطَن .. وأمُّي اُلْتي كنتُ أهْربُ منْ  يَدِهَا ... أتَمَلَّصُ وأعْدو ... من قصر فقصة إلَى
 (( عمْرة )) في ريف قفصة اُلْشَّمالية . خَرَجْتُ عنْ النَّص حينَ ارْتِباكٍ عَاطِفيٍ  : حَضَرتْ دُموعُ أمِّي الأٌميَّة دُولة أحْمد و هْـي" تتَوسَّل"  إليَّ لأذْهَب إلى اُلْمَدرسة ... وأنا قلْبي كَانَ عنْد الأطْيار " القُبَّرات " واُلْسُّلَيْحَات "  واُلْجِياد وعنْد عِطْر جدَّتي  "بنت الأحْمر"اُلْرائعة .. لم أكُن أحبُّ " اُلْجُدرانِ " ولا اُلدِّراسَة ولاَ المَدْرسَة .. دُمُوع اُلْسيِّدة اُلْوالدة .. أحِسُّها اُلآن .. اُلآن أحُسُّها .. أسْمَع صَوتها ... تنادي " فلذة كبِدها " وتحذِّره مِنْ رُكُوب اُلْخيْل ... وانْ كانت تتوعده أحيانا "بطريحة نبَّاش القُبور "   وأحيَانا أخْرى تَعِده انْ هو أحَبَّ اُلْمَدْرسَة  واُلْدِّراسَةَ سَوْف تشْتري لــه " مُهرة " أجمل ..من   أنثى اُلْفَرس اُلِتي لِأبيه و مِن مَهارى اُلْأهْل وكُلّ اُلجيَاد اُلْمُمْكِنَة .. وسَوفَ  يَخْتارُها لهُ خَالَها صَالح ولْد عَلي اُلأحْمر _ رحِمَهُ الله ..اُلْذي أنَاديِه "خَالي" أنَا أيْضَا كَمَا أُنَادِي  اُلْرائِعَة أصِيلَةُ اُلدَّهْمَانِي زَوْجَتَه  أمُّ الزين _ رحِمَها الله _ " دَادَانَا" بِمَعْنَى أمُّنَا .  وسَوف   تَتْرُكُه يلاَعِبُ اُلْكِلابَ واُلْقِطَطُ ويَعْدو ورَاء اُلْأرانِبِ اُلْبَريَّة مَعَ كِلاب اُلْصيَّد .. أمَّي لمْ تَكن  تَعْلم ... مَا  كُتِبَ  لَهَا ولإبْنِهَا اُلْوحِيد في "كِتَابِ اُلْغيْب" .  أميَّ لم تُدْرِكْ  أنَّ اُلْمَدْرسَة وكُتبَ اُلْمَدْرَسَةِ وسَادتي و أنيساتي اُلْمُعَلِّمين ... واُلْمُعَلِّمات اُلْجَليلينَ وَاُلْجَليلاَت  سَوْفَ يَطيرُونَ بِيَ منْ طُفولَتِي ..ومِنْ أمِّيَ ذاتَها مَرَّةً واحِدةً و إلى اُلْأبَد ... لمْ أكُنْ أعْلَم أنَّ للأْفَكَار أجْنِحَة وسِهَامًا سوف تصيبني وتطير بي مرة واحدة من شغف اصطياد الأطيار وركوب الخيل واقتناص اُلْقُّبرات.. عند اُلْبئر بالشِّراك في اُلْقَائِلَة . هلْ يَقُولُ اُلْطِّفْل أنَّه كَانَ يُغَافِلُ عَائِلة اخْوتَه في بيت والِده ... عنْد غُروب .. اُلْشَّمْس في قَصْر _قفصة ليَهْرَبَ إلى جدتَّــه في
(( عَمْرَةَ )) حَوالي ال20 كم .. يَمْضيهَا بين اُلْعَدْو اُلْرِّيفي  واُلمَشْي فِي اُلْــظَّلام .. وحين يَخَاف من أنثي ذئب ذات جِراء كَان يُحاوِل أنْ يُــدجِّن خَوْفَــه باُلْغِـــنَاء .. ذاك  اُلْغَنَاء .. (مُعَلَّقَات اُلوِحْشَة واُليُتْم واُلتَّصُّحُرِ اُلْعَاطِفي   واُلْلَّوْعَةِ  و اُلْألَم ) اُلْذي وَرثَهُ إرْثا عَنْ أمِّه ذات اُلْصَّوتِ اُلْجَّمِيلِ  اُلْذِي  وَرثْتُه إرْثًا ثَقِـيلاً عَنْ سُلاَلةِ اُلْبَدْوِ اُلْرُّحَلِ . اُلْبَدْو اُلْأشدَّ كُفْرًا بِاُلْظُلْمِ  وفْكْرا فِي اُلْمَصَائِر اُلْغَامِضَة كَما يَحْلُو   لمُجْتَرِحِ  " كِتاب اُلْجِراحَات واُلْمَداراتِ " أنْ يَقُول   . أُمِّــي   .. أمّ اُلْزّيْتُون  .. واُلْفُسْتُق واُلْلَّوْزِ .. . إسْتَنْبتَــتْها في أرْض  بُــور كَانَتْ قَاحِلة ..  بنتُ أحْمَد  . بنْتُ أحْمَدَ أمِّيَ   تهَبُ أنثى أنَيْسان اُلْـــعيْن   تونُس اُلْغَاليَة  تِلْكَ ... اْلأشْجَار... شَقَاء عُمرها  هيَّ... وديعَتُها هِي َّ " اٌلْمُثْمِرَة " لِلْقادمينَ منْ سُلاَلَةِ  اُلْأهْل ..هيَّ اُلْتِّي انْتَصَرَتْ عَلى اُلْتَّصحُّر رَغَم كُّل ... شَئٍ وقَدْ
" فَشَلتْ " حِينَ خَابَتْ _ ربَّمَا _  فِي فِلاَحَة عَواطِفِ  
" فَـلْذَةِ كَبِدها " اُلْذي هو   أنَا . أنَا   شَهَادَةُ حُزْنهَا عَلَيَّ وعَلَى  وَجَعِ اُلْحَيَاةِ مِنْ أوْجَاعِ اُلْحَيَاةِ . حَياتُها اُلْخَاصَّة اُلْتِي "أكلتْها من أجْليَ... " كَمَا كانَتْ تَقُول  لي حين تُعَزِّرُنِي.. فيَنْزِفُ لأَحْرُفِ كَلمَاتِهَا تِلْكَ قَلْبِيَ وأُكَابِرُ اُلْدَّمْعَ أمَامَها  ويَبْكِي  "قَلْبي الوحيد إلاَّ قليلا" فِي عَتَمَة ليْلِيَ اُلْعَاطِفِي . قَلْبي  ينْــزِفُ. ينْزِفُ قَلْبِي فَأقُولُ لِيِ ولَهَا  فِي سرَّي عَنْ بُعْد وَعنْ قُرْب  يا بنْت أحْمد يَا أخْتَ  خَالتي  فاطمةّ : أمَّ "هناء" و"هنيَّة" وَ "غزالة"  . يا جَّدة " دُرَّة أَكْوانِي " سَليلتِي اُلْوحيدة  التي أعَادَتْ معيَ- اُلْمَقادير وأعادَتْ مَعَهَا تَجْربَةَ اُلْيُتْم . باُلْأمْسِ اُلْعَاطِفِي اُلْبَعيدِ  كنْتُ يتِيم أمِّيَ وفي يوْمِي اُلْعاطفي  حين هذا الحين ..الآن وهنَا أنا يتيم تُونُس و ابْنَتِي ومَكْتَبَتِي . رفقا بقلبي . يا بنْتَ أحْمَــد :اُلْفِلاَحَةُ انْتصَرتْ ... عَلى اُلْثقافة .. ومثَل " أمِّيَ " أصْلَحُ لتُونس منِّي ومنْ " أمثالي " .. أية وديعَة وَداعٍ أكْتُبُ .. و كلُّ" ودَاعِ " انَّما تَتَقطَّع منْهُ ومَعَهُ  أوْصَالي ... لأَنَّ وَجَعَهُ - رَغْم اُلْعُــمْرِ " اُلْعَامِر بِاُلْمِحَنِ  واُلْتَّمَرُّسِ والتَّمَتْرُسِ بِاُلْألَمِ وَاُلْغِيابِ..يبقي الألَم اُلْعَظيمُ  مَكْتُوبٌ تَحْتَ اللَّحم وأبْعَد مِنَ اُلْعِظَام . مَا أمَرَّ اُلْيُتْـــم ... بيْنَ اُلْأهْل  واُلآبَاءُ أحْيَاءُ .. كُلٌ يَزاوِلُ حَياتَه كَمَا تَشْتَهِي شَهْوتَه ..  واُلْطِّفْــلُ يشْكُو يتْمَه لِلأَشْجَارِ .. و اُلْأطْيَارِ ... و يُحَبُّبُ لَهُ  يتْمُه اُلْعَاطِفِي  هــوائِش اُلله  واُلْجِياد ..  واُلْقَطَطَ وَاُلْكَلاَبَ ... على اُلْعَيْشِ مَع " اُلْأهل " بَيْنَ اُلْجُدُران.   فيَشْكُو  هَشَاشَة عَواطِفه اُلْهَشَّةِ أصْلاً   لِلْجَدّة  اُلْجَميلَةِ اُلْحَبيبة اُلْغَائِبةُ . ما أكثْر وأوْرَفَ أشْجَار غَابَاتَ وِحْشَتِي   حينَ هَذا اُلْحين . تذكرت كتبي ومخطوطاتي التي حرقت حين حرق علي بيتي .. ومكتبتي التي نهبت وتمزقت أوصالها بين وزارة الجدران  ونهج الدباغين .. ولم أودِّعْتها . .. تذكَّرتُ  مخطوط كتابي :" حين كنتُ حيَّا مررتُ قُرْبَ حَيَاتِي " ... تذكرت .. مالا أريد ذكره خَوفًا منِّي عَلى هَشَاشة  أنْثَى رُخَامٍ عَاطِفِي تُشَاركُني هشاشة اُلْعَواطفِ .. تذكَّرتُ خَالتي "فجرا "  اُلْجَميلة " التي تمنَّيتُ أنْ أكُون فَلذة كبِدها هيَّ اُلْتِي لَمْ تُنْجِب طِوالَ حيَاتها  تُوصِنِي حَرْفيا  بأنْ ألتزم بحروف وصيها الذهبية  " أعْمِلْ  منْ رُوحِك رَجُلا  ولاَ تبْكِي عنْد اُلْشدائد .." كَبُر فِي سُويْعَاتٍ قليلات  ذلك الطفل . ذلك الطفل كبر  خلال سويعات فعَمَل " اُلْفَرخ الايطالي"  من نْفسه   "رَجلا" . واُلْرَّجلُ لاَيَبْكي "  .(( ها أني الآن أخون وصيتك .. في هذا المنعطف العاطفي .. وأبْكي  وأزيد بُكَاءً كلما رأيت شجرة السرو   أمام بيتك واقفة  في عمرة  لوحدها تذكرني بغاب عمي العيد  وبغيابك  يا خالتي الرائعة )).  فكُنْت كلَّما همَّت نفسي  بِاُلْبُكَاء تذكَّرت وصيتَها ومَسَكْت اُلْبُكَاءَ من قُنَاجِ رَقَبَتِه فتَعْتَصِرنِيَ اُلْغُصَّة...  فأتحرَّشُ  بِاُلْغِنَاء قَليلاً  .. ثُمَّ أرْقُص  وأغَّني   وبعْضُ دَمْـع  لايَزالُ عَلَى خَديْ ذلك اُلْطِّفل ..
 و أتخيلني  عبد الحليم حَافظ .... أو  فَريد اُلْأطْرش اُلْذي تَهيمُ به مَع أسْمهان أُمَّي ..  كُلُّ ودَاعٍ يَذَكِّرنِي بِفْصْلي اُلْقَسْري  أنَا " اُلْطّفل " اُلْصَّغير  عنْ أمَّي اُلْصَّغيرة اٌلْتِي حِين فَاضَ رَحِمُهَا بِي  لمْ تَكُنْ قَدْ تَجَاوَزَتْ  اُلْمَرْحَلَة اُلْشَّاهِقَة للمُراهَقَة  .. حُبُّ  اُلْكُتُبِ اُلْتِّي لا تُحُبينَها  _ يَا أمُّ _  واُلْمَكْتَبَات .. لمْ يَكُنْ _أيُّهَا اُلْعَالَم _   فِي حَياتي " عَلاَمَة " صحيَّة .. وإنَّما كَان ولا يَزال "سلاحا"شرْعيَّا كَمَا «اُلْكَتَابَةُ"..  ودَواءً .. طَلَبًا رمْزيًّا  لِلْإسْتِشْفاء... تِرْيَاقًا منْ الأوْراقِ ...وسُلْوانًّا ضِدَّ أوْجَاعَ اُلْذَّاكَرَة المَوْجُوعَة منْذ قَطْعِ اُلْحَبْل اُلْسُّرِي..  طَريقَة سريَّة  وسِحْريَّةٌ _ ربَّما _ في التداوي من وجع الجوع اُلْعَاطِفي .. الذي لمْ أعْبُر هوَّتَه اُلْسَّاحِة رغْم اُلْعُمُر الأحْرَف مَع الأحْرفِ . .. يا زهرة اُلْعمْر الذي أخَذَتْ تذوي بين " اُلْجُدُران "  اُلْحُزْنِ ...ولذَّة اُلْمَعْرِفَة أيْضًا وأيْضًا..  رفقًا بِالأشَّقاء من الكُتَاب واُلْشُّواعِر واُلْشُّعراء إخْوتِي في المَعْنَى واُلْمِحْنَة والتَّراب والنَّشيد اُلْوَطنيّ أيَّها اُلْوطَن.  أنا حَزينٌ هَذا اُلْحِين .. لكنَّ اُلْتَّشَاؤُمَ اُلْمُمِيتَ لِلْحُبِّ.. مُطلقُ اُلْحُبِّ واُلْصَّداقَةُ اُلْصَّادِقَة   هو حشيشة " اُلْفَاشلينَ " إلى الأبَد ..(( كَمْ اشْتَقْتُ اُلْشَّهيد اُلْحَبيب  شُكْري بلْعيد حينَ هَذا اُلْحِينَ ...))
 لقَدْ قَرَرَّتُ أنْ أعُودَ إلىَ اُلْجَامِعَةِ لأدْرسَ عنْد بعْض من دَرّسْتُهم شخْصيًّا في اُلْثَّانَوي.. وأقُول لِأسْتَاذيَ " سيَّدي " ولأستاذتي سيَّدتي  .. كمَا سَوْفَ ألْتَمِـسُ منْ بنت أحْمد أمِيَ اُلْعَفْــو..  لِطُول اُلْغياب وأجْنِي لَهَا بيَدي اُلْلَّوْزَ واُلْزيُتُونَ ... كما تشتهي
"وهل تُطيقُ وداعًا أيُّهَا اُلْرجُل؟
 هلْ يحْذف اُلطِّفلُ  تفاصيلَ اُلْوجَع .. أيها الرائعون والرائعات ؟ أنا حَذْفتُ  تَفاصيلَ  مُوجعة لعَلاَقَة اُلْطِّفل  بزَوْجة   اُلْأب " عائشة " ..لئلاَ   أحْرج 
و أجْرَح  أحَدا.. كَمَا حَذفتُ تفاصيلَ  واقعَة  ليليَّةٍ لئِلا  أهيّج اُلْذاكِرة اُلْعاطفيَّة لِلْسيٍّدة اُلْوالدة ..   حينَ هـــمَّ ذئبُ بي ... ولا أعْرف لماذا لم أخَف ... حينَ حُضوره وبَعْد انْصِرافه إكْتَسَحَتْ جسْمي رَعْشةٌ لم أنْسَها  أطلاقا ...  وتفاصيل أخْرى حين إتَّهمت خَالتي اُلْجميلةُ  اُلْرائعة  زوجَة والدِي بِرمْيي في البئر ... الذي في  حَوْشنا واضْطَـرَّ اُلْجميعُ ...  نزولا عند رغْبة خالتي رحمها الله  نزول اُلْبئْر ليْلا و تَفتيش تلك اُلْبئر ... ولم أذْكُر أنَّ " كَلِمَة واحِدة " ركَّبها أبِي _ اُلْذي كَان   ألْطف منْ أمِّي مَعِي  إذْ لمْ تَمْتَدَّ يَدَهُ نَحْويَ أبَدا _ الكلمة كانت ..في سيرةِ أمِّي ..وأنا عُمْري حَواليْ اُلْعشْر سَنوات كَانَتْ اُلْفَاصِل اُلْعَاطفي واُلْفَيْصَل اُلْنِّهَائي بَيْني وبينه .. إلى جانب كلمة أخرى مسَّتْ كَرامَتي حين ارَادَتْ السيَّدة العائلة فصْلي عن اُلْدَّراسة لتَجْعل منِّي حَارَس غابتنا وراعي بقَر .. حين رفضتُ خاطبني والِدي بالعِبارة التَّاليًة : " كيْفَ لذيْل اُلْبَغْل أنْ يُصْبِح مِزْمَارًا " ... لقد توقع فشلي في اُلْدراسَة كَما فشَل الذين من قبلي من أولاده .. حينها قتَلتُ اُلْعَائْلَة رَمْزيًّا ..كُل اُلْعائلة التي كانت تفاخر بالجاه واُلمَال ... قتلتها  في خيالي  وأعانت العصيان العاطفي وإن كنت أحب أخواتي واخْوتِي  لأبِي ...   فكنتُ لاَ أقْبَلُ اُلْرشَاوَى الأبويَّة اُلْكَثيرة منْه ...ثأرا لطليقته التي هي  أمي .. ولكَرامَتِي  وكنتُ أفضِّل أنْ أنَام الليَالي اُلْطوال جَائِعًا ولا َآكل مع أحد ... كَمَا كَانَتْ تْلك الكلمة اُلْفَالتَة منْ أبِي في " سيرة " " الخَرْبية " نعَم " " اُلخَربية " كَمَا ( نَعَتَهَا لِي عوضا عن كَلمة عَرْبيَّة  والمَقْصُود بالعَربيَّة أنَّها بَدويَّة  كما لو أن السيد والدي لم يكن بدويا ولد في مكان اسْمه "باطن العَيْشِ" ابن هرْيَاء وشيحٍ وريحٍ  حيثُ ولد  شقيقُ لحْمه ودَمْه  اُلْمُجَاهد  اُلْوطنِي اُلأزْهر اُلْشرايْطي )... قَررُّت أنَا ابن اُلمُطلقة والطَّليقَة  ..ولَدُ البَدويَّة اٌلحُرة اٌلْتي انتزعَتْ طَلاَقَها أنْ أكُونَ حُرَّا وأكْبَر مِنْ  العَائلة  ...بكُل تُرسَانات مجْدها قررت أن " لا أرْشُفَها لأحَدٍ " ما حييتُ وأنْ لاَ  أنْحَني لأحَدٍ مهْما كَان مالهُ أو جَاهُــه  وأنْ لاَ أمدَّ يَدي لجيْب سِوايْ   وأهْجَر البيْت الأبَوي مرة واحدة صونا _كَذلك لِكرامة جدتي لأمي التي يبالغ والدي في رفضه طلبها أخْذي مَعها لعمَرة حيث أمِّي  وجنَّة طُفولتي ..فَكَان إهْداء كِتابي الأول لها  وفْق الصّياغة التالية :" الى أمي البدوية العظيمة دولة أحمد  الزواري  وإلى اُلذين لوْلاَهم لفَقَدتُ مُبررّ وجُودي في اُلْمدينة" .
"وهل تُطيقُ وداعًا أيُّهَا اُلْرجُل"؟
أنَا مُرْتَبِكٌ حينَ هَذا اُلْــحِينِ . أكْتُبُ... وأمْحُو . أمْحُو وأكْتب لِمَا أَلَمَّ   و أصَابَنِي منْ تَلَعْثم عَاطِفي  فأرْبَك  عِبَاراتِي وإشَارَاتِيَ  وفيروز تُرَدّد
" ياليل اُلْصَّب مَــتَى  غَدُه .. ؟ "
ثمَّة سُؤالٌ يَعْتَصِرنِي فيُخْرجُنِي عنْ اُلْنَّص   اُلْعَاطِفِيِ   ..ولاَ عَلاقة لَه _ ظاهريُّا _ بوديعَة اُلْوَداعِ اُلْأخَير :" هلْ حَقا تَمَّت "دَسْتَرة"  اُلْتُّونسي - أصْلا _  واُلْتُّونسيَّة اُلْأَصيلة  في اُلْدُستور اُلْتُونسي ؟"  " دافِعُوا عن عقولكم كما لو أنَّكم تُدَافِعُونَ عَنْ حُصونِ مَدينتِكم ". . كَانَ هذا هو المطلب
" الجَمالي" اُلْذي رافَق إهْداء كِتابي الأول الى السّيدة اُلْوالِدَة . دامَتْ تونس ..." قاصمة ظهور الجبارين " كما ورد الأمر في متْن ذلكِ اُلْكِّتَاب اُلْمَتينِ .. دَامَتْ :
" ولاَّدَة   هيَّ تُونس " لِلْأحْرارِ واُلْحَرَائِر .تونس  هيَّ   .  وَطَنُنَا   وطَنَنُا هيَّ لنْ يُهْزَم   أمَام   أيّ...  طَاغيَة...  وإنْ تَظْهَرْ عليْه أحْيانًا عَلاَمَاتُ   اُلْــتَّعَبِ ..  وأيُّ شَعْب   لاَ تَظْهَر عَليْه عَلاَمَاتُ اُلْتَّعَبِ .
"وهل تُطيقُ وداعًا أيُّهَا اُلْرجُل" ؟
اُلْفَتَى سِرُّ أبيــهِ   وأمّــه   ولِلْوطَنٍ  الْبقيَّــة.
هل يقول المُودِّع  اُلْذي يُرْبِكُهُ اُلْودَاعُ الأخيرُ  للزَّميلاَتِ الحرائر والزُّمَلاء  الأحْرار في "بن عروس"  أنِّي لنْ أنْسَى ما حييتُ وقوفكم اُلْشَّريفْ وَاُلْمُشرَّفِ للوطَن العاطفي والتاريخ .. وقُوفُكُم ووقوفكُنَّ  إلى   جابني  بشَّد أزْرِي بالمَالِ والشُّحْنَات اُلْعاطفيَّة  اُلتِّي لاَ تَنْضَبُ   في كُل  مِحَنِي أقلُّها  أيَّها اُلعَزيزات  اُلْحَرائِر واُلأعْزاء اُلْأحْرارِ  حينَ مُحَاولة قتْلي في "طريق اُلْمَحطَّة " ذات يوم تونسي  لنْ يُمْحَى منْ ذاكِرتِي _ أنا الذي فطمتني أمِّي اُلحُرة على حِليب النُّوق _  فكسَّر أصْحَاب اُلْسُّلطانِ " . (كانوا أربعة وكنت وحدي ) كسرورا  . رجْلي اليُمْنَى و أمْرضوا عَمُوديَّ الفقري رضُوضًا  ما زلتُ لمْ أشْفَ منْها نِهائيًّا  قبْلَ أنْ يحْرقُوا عليَ بيتي اُلْمُتَواضِعُ إلى حَدِّ اُلْفَضِيحَة في اُلْوطَن ويحْرٍقُوا مَخْطوطاتي و كُتُبي .بقوقوفكم  اُلْنبيل جَانِبي وبزيارتكم كما التلاميذ والتلميذات وبعض الأهالي  لي في مُسْتشْفى "عَزيزة  عُثْمانة " أرْبكتُم " خَدَّامَة وِزارَة الجدران " أقصد "وزارة الداخلية"  فأرادُوا اُلتَّعْجيلَ بدَفْع ثَمَن اُلْعمليَّة اُلْجِراحيَّة حين كسُّروا فِعْلاً  عِظامِي فرفضت رفْضًا قَطْعيًّا وقلتُ لهُم " اقْتَصِدُوا فِي اُلْكَلاِم معِي  اُلْزُّمَلاَء واُلْزَّميلات  فِي مَعْهَد بنْ عَروس – مَشْكُورينَ ومَشْكُوراتْ _دفَعوا ثمنَها اُلْعَمليَّة  .لاَ أريد منْكُم خَدامات  .. " حينها أحْسَسْت  بيني وبين جُرحِيَ وكُسور عِظامي  بِرغْبَة فِي البُّكَاء لأنَّكم أنْتُم نعَم أنْتُم اُلْذِّين جَبَرْتُم خَاطِري  وشدَدْتم مِن تَمَاسُك عِظامي  حين وهنَ  منيَ عظمي وكمْ أشْفَقتُ على تعَب اُلزميل  واُلصَّديق النَّقابي المناضل مولدي عواشريّة معي  كما أتعبتُ مَدام نجيبة الوسلاتي  أم الحكيم  التي تنوبُني فِي الإرْهَاق اُلْوَرقْي .. كما يَحْلو لي أن أناديها  .. أنتم نعَم أنْتُم  جَعلتُمُوني " أنْتصر "   عليْهم .. أقْصُد أصْحاب " المَاتْراكات والجُدُران "   أنتم نعم أنتم  جعلتموني أحِبُّ "مَعهد  بن عَروس " وأهْل بن عَروس أكثَر .. فعُدت إلى التَّدْريسِ أمشي على عُكَازَيِن... تَدارُكًا للزَّمَنِ اُلْضَائِعِ .. 
"وهل تُطيقُ وداعًا أيُّهَا   اُلْرجُل " ؟
تساءل اُلْسيَّد الشاعر. قلت "لا أطيق وداعا " أيَّها اُلأحبَّة .
( سلاَمٌ  وَوَرْدَة )
   

  
Haut du formulaire






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث