vendredi 28 octobre 2016

الذّكر والأنثى ولعبة المهد

الذّكر والأنثى ولعبة المهد:
مساهمة في "نقد الوعي..
الإسمنتي المسلّح"


"إنّ الطبيعة الإنسانية عند مضللي العقول ثابتة لا تتغير وكذلك الحال بالنسبة للعالم"
هربرت شيلر
إننا نصدر – في دراسة "الطبيعة والثقافة" – انطلاقا من أفق نظري محدد نطلق عليه الأفق الفلسفي النقدي ونؤكد على خاصية النقد ذلك أن "الفلسفة" إذا ما كفت عن ممارسة النقد وامتحان الأسس التي ينبني عليها الإنتاج الترميزي للإنسان بتجلياته المختلفة وسلوكاته المتباينة، عندها تتنكر الممارسة الفلسفية والخطاب الفلسفي لذاته فينقلب إلى وثوقي عندها - أيضا -  بكفّ العقل النقدي عن ممارسة فعله فيتكلّس، يخمد فيتحول من عقل / طاقة متفجرة إلى مادة جامدة. النقد إذن هو الذي يفجر مكبوته "المعيش" الرمزي المتجسّد في الرّؤى والأحلام واللباس والبلاغات ولافتات الإشهار.
إن مهمة الفلسفة المأمولة إنما تكمن بالأساس في تفجير وتعتعة ما يمكن أن نطلق عليه الوعي الإسمنتي المسلّح ذلك الوعي المغدور الذي كفّ عن "التفكير" ولم يع أنه أصبح وعيا أثريا، من ذلك مثلا التصوّر الذي بناه العقل الإسمنتي المسلّح عمّا يسمّى الطبيعة الإنسانيّة الثابتة وركونه إلى وسادة الكسل فيلتجئ إلى مقولة أو فكرة الطبيعة الإنسانية "ليفسر" ويبرر ويراوغ ويضلل السؤال / المطرقة على أصل الملكية والعنف والذاتية والدين والإجرام فتصبح مقولة الطبيعة الإنسانية بمثابة معقل جهل ينفث فيه الوعي الإسمنتي المسلّح إما جهله الصادق أو وعيه الإيديولوجي المتستر المراوغ. ومن هنا كان لابد للحس الإشكالي المطرقي أن يهشم المعتقدات الوثوقية المنغلقة إسمنتيا والتي تفجر بانغلاقها.
فمهمة الفلسفة النقدية تتمثل إذن في رسم مسافة بيننا وبين تلك الأحكام الحميمية فنكسر بذلك "زجاجة التقاليد" التي قبعنا ومازلنا نقبع في قاعها.
في محاولات تعرف الإنسان على ذاته، خلال ترحاله المعرفي والمفهومي، وفي إطار تحديد جوهره / جواهره باحثا متسائلا عما إذا كان كائنا ثابتا يعود بالكلية إلى الطبيعة أو كائنا متحولا يعود سلوكا واعتقادا وقيما إلى الثقافة والتاريخ، هذه الرغبة، رغبة المعرفة جعلت "القرد العاري" وفق تعريف ديزموند موريس ولزمن طويل يكدح معرفيا لرصد الثابت والمتحول إن في سلوكه أو في تعامله مع الطبيعة الطبيعيّة (مصطلح ادقار موران). يسعى "الحيوان الرامز" إلى إنتاج أطروحات ومذاهب فكريّة فلسفيّة واجتماعيّة مختلفة إلى حدّ التضارب والتدافع، ذلك أن الكوجيتو البشري، يقر أحيانا أن للإنسان طبيعة، وطبيعة حيوانية ثابتة، تتّسم بالشراسة والعنف والدمويّة، ومن هنا كان وجوب الإرغام والإحباط والإلزام عن طريق ما يسمى الثقافة بالمعنى الإنتروبولوجي للكلمة، ويعتقد أحيانا أن للإنسان طبيعة ولكن هذه الطبيعة تتسّم بالطيبة الأخلاقيّة والمسالمة والغيرية إلا أن الثقافة انزاحت به عن ملائكيته فأصبحت ضربا من العنف الذي يمارس العنف ضد العنف. في مقابل هاتين الأطروحتين نجد ثالثة تنفي أن يكون للإنسان طبيعة ثابتة أصلا وإنّما الإنسان، هذا الكائن الذي يعي الموت كتجربة لا يمكن الوشاية بها، هو نتاج عمله وتجاربه وكدحه التاريخي فهو أصلا نتاج لانجراحاته وهو بالتالي ليس مشروع آياتيّا سبحانيّا ربانيا بطبعه وليس هو كائن إبليسيّ شرس عدوانيّ ذئبي بطبعه.
وفي إطار بلورة هذه المسألة، مسألة ثباتيّة أو ديناميّة الطبيعة الإنسانيّة وفي إطار مساءلة الوعي الإسمنتي المسلّح، في إطار هذه الإشكالية المعقدة التي زاد البعد الإيديولوجي على إشكالها إشكالا. نناقش مسألة حميميّة لأنّها تمثل حقيقة واقعية وليست مجرد ترف فكري بالنسبة لكل من المرأة والرجل وهي مسألة الذكورة والأنوثة.
لقد تعودنا أن ننسب للرجل متوالية من الصفات والنعوت والفضائل التكريمية منها:
العقل
الشجاعة
الجرأة
الإقدام
الصدق
الفروسية
السيطرة على الأهواء
وكل مشتقات الفحولة الشهريارية / السندبادية وأن ننسب في المقابل إلى المرأة متوالية من النعوت "التشريفية".
الكذب
التقلب
المراوغة
الحدس
الانفعال
الرومنطقية
الشبق
الكبد
التلبيس
الميوعة
الحنان
وكل مشتقات هذه المتوالية من النعوت الشهرزادية. لقد بيّن رايلي أن هذه الصفات ليست طبيعية وهذا ما يفزع الوعي الإسمنتي المسلّح ذلك أن "المجتمعات المختلفة تعلم أشياء مختلفة".
فماذا يقصد رايلي بقوله "كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى لقد تعلمناها من المهد"؟ فهل أن الذكورة والأنوثة مجرد لعبة؟ وما هي الأمثلة التي يمكن التوسّل بها للبرهنة على صحة هذه الأطروحة؟ وما يقصد تحديدا بقوله "فالرجال والنساء يولدون وليدهم إمكان الشدّة أو اللين والعدوانية أو السلبية "الذكورة" أو "الأنوثة" ولا مناص من تعليمهم أن يكونوا مثل هذا الجنس أو ذاك وهكذا فإنّ "المجتمعات المختلفة تعلم أشياء مختلفة"؟ ألا تدحض هذه الأطروحة تعميميات وعينا الإسمنتي المسلّح من ناحية، وتعميميات الخطاب الفرويدي المتسرعة، عندها نسبت عقدة أوديب للإنسانية جمعاء وهذا بالاستناد إلى تحايل خصائص كل المجتمعات الموسومة بالبدائية و"التوحش" و"اللاكتابية" مثل الأرابيش وتشامبولي ومندوقمور كما يمكن لنا أن نتساءل عن قيمة هذه المساهمة في بلورة إشكالية الطبيعة الإنسانية ضمن محور الطبيعة والثقافة؟
الذكر والأنثى ولعبة المهد
لقد نسبت آراؤنا المسبّقة ومعتقداتنا القديمة/ الجديدة الإسمنتيةّ المسلّحة نعوتا أبدية وتقييمات نهائية وذلك من خلال خلق مراتبيه وخانات محددة تسجن فيها الأشياء والانفعالات والسلوكات والكائنات الحية التي ننسب إليها أنماطا محددة من السلوك مرة واحدة وإلى الأبد كأن ننسب إلى الرجل، إضافة إلى الفحولة، الجنسية فحولة معرفيّة تزكيها قضيبيه متنكرة فتكون تبعا لذلك، الفلسفة والعلم والموضوعية وكل ضروب الحكمة إنما هي حكر على الرجل، نتيجة لإقدامه الفحولي المعرفي. ويكون ذلك أيضا، امتيازا أغدقت به الطبيعة حينما خلعت على الذكور "القرد العاري" هذه الامتيازات الطبيعية. وفي مقابل هذه المتوالية من النعوت التشريفية، الرجولية، القضيبية، تجد متوالية من النعوت التحقيرية التي تنسب إلى المرأة العجز المعرفي والدونية المعرفية، إضافة إلى الميوعة والانفعال والتذبذب والميل إلى السحر والشعوذة، يكون ذلك نتيجة ليد الطبيعة العادلة! إن ما تعودنا على اعتباره من المسائل "الواضحة والمتميزة" وفق اللغة الديكارتية، أي من المسائل التي تربو إلى النقد فلا يطالها شك، مسألة التفوق العرقي والتفوق الرجالي على النساء، وذلك كله نتيجة لتقليد موغل في القدم، عندما فجر الخطاب الأنتروبولوجي الثقافي الحديث والمعاصر معتقداتنا حول الطبيعي، هذه المعتقدات التي أنتجها، شيئا فشيئا، ذلك الذي لا يمكن إلا أن نسميه العقل المغلق أو الوعي الإسمنتي المسلّح. عندها عاش هذا "العقل " الجنائزية فما كان منه إلا أن صرخ ملوّحا "إن هي إلا علامة الساعة" ! فيعمد العقل المستقيل، محتميا بالمقدس، ليستر عورة "المدنّس" ومن هنا تحديدا، تفهم محاولات إقصاء ونفي ودمغ وبتر الخطاب الجديد المشكّك في المستندات الصريحة والضمنيّة التي أنبنى عليها العقل المغلق ذاته، فهذا الخطاب الآثم لابد أن يقصى من المدينة، كما دعا أفلاطون إلى طرد وتبكيت الخطاب المغاير، ونقصد الخطاب السفسطائي، كما أطرد الشعراء "باستثناء الذين آمنوا"، لأنّهم محل غواية، لذلك لم يبدع منهم تقريبا إلا من خرج، وأشرك، وأبدع، ولم يتبع فخرج عن وعي القطيع، وفجّر المغلق.
في هذا الإطار، إطار مراجعة ومساءلة موروثنا الثقافي، نتبيّن أن أكثر الأشياء حميمية وأكثر الصفات وأكثر السلوكات طبيعية لدينا إنما هي ليست كذلك أليس سلوك "الذكر" و"الأنثى"، وحب الملكية الفردية، أو الجماعية، إنما هي نتيجة "لعبة" تُتعلم قواعدها من المهد.
إن رايلي لا يشير إلى الخصائص التشريعية وإلى الخصائص المرفولوجية أو إلى البيوكميائية أو الفزيولوجية لدى كل من الذكر والأنثى فأنثنته كما ذكرنت الطبيعي لدى من يسمّى ويتسمّى بالذكر. ألم تقل – سيمون دي بوفوار "إنّ المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك".
تماشيا مع الخطاب الديبوفواري، يمكن القول أن الرجل لا يولد رجلا ذكرا وإنما يصبح بالثقافة كذلك. التحديد الذي يعطيه رايلي لمفهوم الذكر والأنثى إنما هو بالأساس يعتمد المتواليات من النعوت التي تنسب إلى كل منهما، وفقا للثقافة: المهد، البيئة، الأسرة، السياسة، الثقافي هو الذي لطّف ما سمّي ويتسمّى الجنس اللطيف وهو الذي أوجد الخشونة لدى الجنس الخشن أما الطبيعة فلا يبدو أنها جنسوية، أي تُفَاضِلُ بين الجنسين.
وبعبارة أخرى فالطبيعة لم تنتصر للرجل ضد المرأة، ولكن الرجل، انطلاقا من وعيه الفحولي للعالم، هو الذي ذكرن الذكر وذكرن المعرفة وذكرن العلم وذكرن السياسة وذكرن الإبداع، وأنثن – في المقابل – الطبيعة وأنثن المرأة وأنثن العاطفة وأنثن القلب "كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى لقد تعلمناها من المهد". وفي كلمة اللعب بمعناها البسيط هناك إشارة إلى التواضع وإلى الاصطلاح، حضور الرمز مكثف في اللعب، اللعب يستوجب قواعد والطبيعة لا تقدم قواعدها.
إن التشريط الثقافي، حسب لغة هيرسكوفيتس، هو الذي يمسرح الحياة بعد توزيع الأدوار، وفق معايير سلوكية صارمة حفاظا على مصالح المتحكمين في قواعد اللعبة وواضعي شروطها ومن يفعل ذلك غير الساسة؟ وكل من لا يلعب، لعبته، كل من لا يتقمص دوره "يفرد إفراد البعير المعبّد" فينسب إلى الشرك و"المروق" حينا، وإلى الهرطقة حينا لآخر وإلى الخيانة الوطنية حتى، لماذا؟ لأنه يحدث خلالا، شرخا، جرحا في سلم القيم وفي إطار الإسناد الأساس الذي يحتكم إليه المجتمع الذي ينظم وترصّ صفوفه وفق دواعي النجاعة الإيديولوجية.
هناك خوف يبديه المجتمع السلطوي من الشك ومراجعة ونقد ما يسمّى بالمقدّس اجتماعيا، لذا يمارس المجتمع الرقابة على الأدوار ليعرف ما إذا كانت الشخصيات تلعب لعبتها كأشدّ ما يكون اللعب وعلى أصدق ما يكون الصدق كما تنص عليها الأوامر والنواهي الأميرية السلطانية "كلنا يلعب لعبة الذكر والأنثى لقد تعلمناها من المهد".
لكن يبدو أن لعبة المهد ليست متجانسة إذ تختلف من مهد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى حتى وإن أكد الخطاب الخلدوني على أن المغلوب يتشبّه بالغالب. ألم يقل رايلي "إن المجتمعات المختلفة تعلم أشياء مختلفة" !؟ انطلاقا من هذا الأفق النظري ومن هذه الملاحظات يكون الذكر والصفات المنسوبة إليه، في فضاء ثقافي معيّن لا تنسحب بالضرورة على الذكر في مجتمع آخر إذ أن الصفات والأدوار والشخصيات يمكن أن تتبادل المواقع ذكوريا وأنوثيا باختلاف أنماط التشريطات الثقافية، من مجتمع إلى آخر، نتيجة لتناثرها في الزمان والمكان، وتناحرها إيديولوجيا في المجتمع الواحد، وتناحرها حتى كوكبيا "معموريّا".
إذا كان الطبيعي / الطبيعي يختلف عن الطبيعي / الثقافي فلا شك إذن أن وثوقية المحتكمين إلى نسبة صفات متعالية عن التاريخ لكل من الجنسين تتهافت أمام النماذج المختلفة للمجتمعات والنماذج المختلفة الذكورة والأنوثة، كما تجلب من خلال ممارسات المجتمعات والقبائل المعاصرة الموسومة "بالبدائية" و"الوحشية" و"البربرية" و"اللاكتابية"... سواء أصحت هذه الاعتبارات أو لم تصح فإن طرح مسألة الذكورة والأنوثة ثقافيا وليس تشريحيا بيولوجيا فيزيائيا يكتسي أهمية كبرى وهي تتمثل في مُساءلة موروثنا الثقافي والمطارحة مع مكبوتنا المعرفي في الأدب والشعر والفلسفة والفقه واللغة والدين ومن هنا، تحديدا، تتحدد أهمية هذه المساهمة على بساطتها.
الأهمية النظرية والعلمية
لطرح مشكلة الذكورة والأنوثة:
لإشكالية الطبيعة والثقافة، ولمساءلة طرح مسألة الذكورة والأنوثة أهمية نظرية وذلك من خلال الصراع المتواصل بين الأطروحات العلمية والمثالية التي من أخص خصائصها أنها تؤكّد على أن للإنسان جوهرا ثابتا وتقذف بما تسميه "ماهيته" فوق الشروط الاجتماعية والثقافية والتاريخية للتأنسن تعتبر الإنسان إنسانا حتى وإن عاش بمعزل عن الشروط الإنسانية للتأنس.
إن النظرة المثالية واهمة ووهمها يتمثل في سكوتها المقصود غن الشروط الاجتماعية والتاريخية والثقافية للتأنس وللعقل تحديدا فهي تعقل العقل وتلقي بعقاله خارج التاريخ فيصبح العقل وكأنّه جوهر ثابت قذف به بقدرة قادر فتكوّن مرة واحدة وإلى الأبد: الرجل رجل والمرأة امرأة: الإنسان محبّ، للملكية منذ كان ولا يزال وسيضل كذلك، فنعم الجواهر الثابتة ! النظرة المثالية تسكت عن أهمية كدح الدماغ البشري في منازلة الطبيعة ومكافحة شروط الانتفاء والإبقاء والعدمية.
بينما في المقابل، مقابل الأطروحات المثالية، نجد الأطروحات السوسيولوجية والأنتروبوثقافية تؤكد على البعد الإنساني للمشاريع الإنسانية ذلك أنّ الإنسان إنما هو نتاج لكدح دماغه وبنجاحاته وانكساراته.
تتسم مقولة الطبيعة الإنسانية بخطورة فريدة من نوعها إذ أن البشر، في مواقفهم المتباينة إلى حد التضارب والتدافع والتناحر وفي وضعهم الحربي، يصدرون صراحة أو ضمنا، شعوريا أو لا شعوريا، عن موقف وفهم محددين لمسألة الطبيعة الإنسانية، في هذا المجال يقول صاحب كتاب "المتلاعبون بالعقول": إن القاسم المشترك في كل تلك التصورات هو النظرة التي يتبناها الناس في الطبيعة الإنسانية وتؤثر ماهية الطبيعة الإنسانية كما يفهمها الناس، تؤثر في النهاية في الطريقة التي يتصرفون بها...". فالأهمية النظرية لمقولة الطبيعة الإنسانية الثابتة تستمد من تأثيرها الفعلي الممارساتي على مستوى تعاملنا مع الآخر سلوكيا، أو نظرتنا إلى أنفسنا.
فإذا انخرطنا في تبني مقولة ثبات الطبيعة الإنسانية فإننا سنؤمن بالضرورة بصحة وصلابة التفاسير الغريزية: الاحتكام إلى تفسير السلوك بالغريزة والجبلة، والفطرة: تصبح الملكية الفردية حقا مقدسا، ونسبة المرأة إلى الانفعال العاطفي ومشتقاته ليست في حاجة إلى البرهنة إذ أنها من المسائل التي تستقيم بذاتها.
فأهمية طرح مسألة الذكورة والأنوثة بإرجاعها إلى اختلاف الفضاءات الثقافية، واختلاف أنماط الإنتاج، وعلاقات الإنتاج المتباينة، تكمن في أنها تجعلنا نتساءل عن طبيعة تشريطنا الثقافي، فنفتح باب الاستفهام المعرفي عن طريق الأسئلة المطرقة ضد عقلنا الإسمنتي المسلّح.
إن سلوكنا الفردي أو الجماعي يكون نتيجة لما يمكن أن نسميه حسب لغة أنطونيو قرامشي"الفلسفة العفوية" أو "الضمنية" أو "التلقائية" التي توجد في أمثالنا وحكمنا الدارجة في المجتمع، كما توجد في مأثوراتنا الشعبية، مثل النصيحة الذهبية التي كانت تقدمها عادة الأمهات إلى بناتهن: "لا أمان مع الرجال والزمان". ومشتقات هذه اللازمة، كل هذه الأمثلة إنما تشير إلى أن أفراد المجتمع يسلكون حسب ما يسمى اللاشعور المعرفي: ذلك الذي من خلاله يقوم الفرد أو الجماعة بترتيب العلاقات بينهم وبين الطبيعة من ناحية، وبينهم وبين أنفسهم من ناحية أخرى. أليست الثقافة هي تلك المؤسسة المادية والرمزية التي من خلالها نشرّع العنف ونغالي في استعماله ونقتصد فيه؟... أليست الثقافة هي تلك الشبكة من الرموز التي من خلالها أيضا نحب ونكره، نفرح ونترح نرجو ونتمنى، تنتصر أو تنكسر، وندعو على الآخرين بأن تذهب ريحهم أو ندعو لهم بالعمران؟
ففي إطار الثقافة بالذات تتحدّد كل متواليات النعوت بين الذكر والأنثى وترتب العلاقة بين طبقات المجتمع وشرائحه وفئاته المختلفة، فما هي إذن الشواهد التي تفزع وعينا الإسمنتي المسلّح فتحمله على مراجعة الصفات الشهرزادية التي ينسبها إلى الأنثى وكذلك الصفات الشهريارية التي ينسبها إلى الذكر؟ ألم يعد الإنسان بعد الاكتشافات العلمية المختلفة، سواء كان ذكرا أم أنثى، واقعا تحت ما يمكن تسميته بالشهريار زادية؟
إذن كلنا شهريار وشهرزاد في نفس الآن، وكلنا يولد ولديه إمكان الشدة واللين، العدوانية أو المسالمة، الذكورة أو الأنوثة "يلعب هو دور الذكر وتلعب هي دور الأنثى إنها لعبة تعلمناها من المهد".يلعب هو دور الحاكم، ونلعب نحن دور المحكومين، يلعب هو دور الجلاد، ونلعب نحن دور المجلودين، أما آن لنا أن نتبادل المواقع؟ أسطورة بأسطورة؟ حتى وإن كان الأفق النظري الفلسفي الذي نصدر عنه لا يبحث عن تأييد الموقع: حاكم / محكوم، محكوم / حاكم لأننا نهدف إلى تفجير المكان بإعادة ترتيب العلاقة بين الأنا والنحن وبين النحن والطبيعة.
مع ذلك تبقى المشاريع النظرية تائهة في رومنطقية الرجاء والتمني إن لم يقع الاستيلاء، ليس فقط على المواقع النظرية، وإنّما السيطرة على أسباب الجمعنة التي تحتكرها السلطة السياسية بأجهزتها الإيديولوجية والقمعية المختلفة. لا يمكن إذن أن يفهم الثقافي أو المعرفي أو الفلسفي أو الديني بمعزل عن نوايا واستراتجيات السياسي الذي يتبع تلوينات مختلفة "وحيل" مختلفة للقب على المتوحش اجتماعيا، فهو لا يتحكم في المغلوب بالقوة، المادية، جيش، شرطة أو الأجهزة الإيديولوجية وأساليب الاتصال الجماهيرية إنما يسيطر على العقول عن طريق التلاعب بها في اتجاه توريطها في جنازة إيديولوجيا "فرحة الحياة" التي تورط "المواطن" / المتساكن عن طريق مخاطبة العين والمعدة لتعطيل العقل، فيسهل الانقياد ويحافظ المشرفون بذلك على ترتيب الأدوار، على مواقعهم.
إن إيديولوجيا الطبيعة الإنسانية الثابتة تعبّر عن ذاتها من خلال كل المشاريع التوتاليتارية الاستبدادية التي تتغذى عن طريق استتباب وعي القطيع لدى مخاطبيها من خلال شبكة الترميز الثقافي السلطوي، فالسياسي، في نهاية التحليل، هو الذي يُذكْرِنُ نفسه ويُفحْلنُها بينما يؤنْثِنُ الجميع رجالا ونساء !!
ولقد فجرت الأنتروبولوجيا السياسية قداسة الحاجة إلى الدولة كسلطة بتْنا لا نتساءل عن علة وجودها، ذلك أن وعينا اعتبرها من حصيل الحاصل وأن ضرورتها في البيّنات.ألا توجد مجتمعات بلا دولة وفق ما تشي به أبحاث بيار كلاستر في فصل بعنوان "مجتمع اللادولة". إن هذا الاستطراد ضروري ذلك أننا نهدف من خلاله إلى فتح باب الاستفهام فنمتحن تصوراتنا المسبقة التي مرت من حيز الشعور، وكادت تغيب في غياهب اللاشعور. وما مسألة طرح الذكورة والأنوثة إلا تعلة للانفتاح بالأسئلة / المطرقة على مواطن أخرى من الإشكاليات تفتح عليها بالضرورة.
فما هي إذن المجتمعات التي تقدم دحض / نفيا لمقولة الطبيعة الإنسانية الثابتة؟
الشواهـد التي تفـزع
الوعي الإسمنتي المسلّح
إن الأبحاث الأنتروبولجية، وخاصة الأنتروبولوجيا الثقافية، رغم تلبسها الشعوري أو اللاشعوري بنفس إيديولوجي استعماري، تقدم لنا شواهد دامغة عن تنوع طرق الجمعنة من مجتمع إنساني إلى آخر، وتنوع طرق التشريط الثقافي وآليات هذا التشريط.
مارغريت ميد، بأبحاثها التي قامت بها منذ الثلاثينات، وخاصة في كتابها "الجنس والطبائع في ثلاثة مجتمعات بدائية" والتي لم تفقد أهميتها، قد بينت اختلاف السلوكات باختلاف الفضاءات الثقافية. هذه الأبحاث الأنتروبولوجية مازالت مرجعا مهما للمفكرين من انتروبولوجيين، وفلاسفة وعلماء اجتماع من ذلك، مثلا، أنّ بتّي روزاك وتيودور روزاك قد استلهما من هذه الأعمال في كتابهما "ذكورة وأنوثة". فما هي المجتمعات اللاكتابية المعاصرة التي تقدم الدليل على خطل مقولة الطبيعة الإنسانية الثابتة؟
1)     مجتمع الارابيش (ARABISH)
2)     مجتمع المندوقمور (MUNDUGUMOR)
3)     مجتمع تشامبولي (TCHAMBULI)
فما هي خصائص كل منهما؟
أو مجتمع يطلق على نفسه اسم الارابيش، ومن الملفت للانتباه في هذا المجتمع القبلي أنه يعمد إلى التمييز، أي التمييز بين الذكر والأنثى ذلك أنه يعتبر أن الهدف الأساسي من الحياة إنما هو العمل سويّا بين الرجل والمرأة على تربية الأطفال وحتى اللسان الأرابيشي لا يميز، وفق ما تقولونه، بين الفعل الذي يعني "يحمل" طفلا بالنسبة للمرأة أو الرجل إذ ينسحب على الاثنين معا فالارابيش يعتقدون "أن الرجل يعاني آلام المخاض كالمرأة سواء بسواء وإذا كان الولد يُخلق من نطفة الرجل وعلقة المرأة فإن "نسمة الحياة" من أحد الوالدين.
وما أن يولد الطفل حتى يشارك الأب في جميع واجبات رعاية الوليد بل أنه ليضطجع بجوار زوجته ويضع رأسه على وسادة خشبية، حرصا على تسريحة شعره التي بذل وقتا طويلا فيها، ويقول عنه بنو عشيرته: إنّه في فراشه في "حالة وضع".
نتبيّن أن فكرة صلابة الرجل في هذا المجتمع لا تخطر على بال كل من الذكر والأنثى.
المراسيم الاحتفالية والاهتمام بما ننسبه نحن للمرأة، كالاشتغال بالتعطر المفرط و"التبرج"، لذا يمكن القول، وفق لغتنا، إن التنشئة الاجتماعية لدى الارابيش تؤنث الرجل فيكون، ربما أكثر أنوثة من نسائنا.
تقول مارغريت ميد: "بيد أن نساء الارابيش لا يجدن في أنفسهن ما يحملهن على أن يكون لهن شخصيات مغايرة، ذلك أن الرجال والنساء قد ثُقِّفوا على التعاون والمسالمة والاستجابة لاحتياجات الغير ولمطالبه. ولم نجد لديهم ما يدل على أن الجنس قوة دافعة بالنسبة للرجال أو النساء".
إذن، نلاحظ غياب العدوانية والطوق إلى المسالمة، غياب التمييز على مستوى اللغة بين الرجل والمرأة، الجنس ليس أداة قوّة غذ اتّسم هذا المجتمع بهذه الخصائص التي تجعل منه مجتمعا أبولونيّا، فإنّ المجتمع الثاني، وهو مجتمع المندوقمور سيكون شاهدا على نمط آخر من التشريطات الثقافية فما هي إذن خصائص هذا المجتمع؟
عن خصائص قبيلة المندوقمور، تقول مارغريت ميد: "وجدنا أفراد المندوقمور رجالا ونساء، ينشؤون على القسوة والعدوانية والإيجابية الجنسيّة، وتنطوي شخصياتهم على الحد الأدنى من جوانب الأمومة المحبّبة، ورجالهم ونساؤهم أدنى إلى نمط الشخصية الذي لا نجده في ثقافتنا إلا في شخصية الرجل الفوضوي الذي يتسم بالشراسة البالغة... فالمثل الأعلى عند قبيلة مندوقمور هو الرجل العدواني العنيف الذي يتزوج من المرأة العدوانية العنيفة".
هذا إذن ما تقوله ميد، مشخصة الفضاء العام الذي يتحرك فيه هذا المجتمع: شراسة / عدوانيّة / بطش / عنف وتعنيف، فهو يمثل نقيض مجتمع الارابيش، ولكنه يلتقي معه في قاسم مشترك واحد وهو غياب التمييز بين شخصيتي الرجل والمرأة. فالنموذج الذي يرسمه المندوقمور، إنما هو نموذج دينوزوسي وربما تنسحب النظرية الفرويدية على هذا المجتمع تحديدا ودون سواه فكيف ذلك؟ إذا ما ركز فرويد على مقولة عقدة أوديب كمقولة جوهرية في فهم بناء الحضارة /الثقافية بإرجاعها إلى العقل العنفي فإن العنف والقسر والردع والإكراه وفق العجم الفرويدي لا ينسحب على قبيلة الارابيش، ففرويد إذن يصدر عن موقف محدد لطبيعة الإنسانية ويمكن، في هذا المجال، تقديم رأيه بعجالة. ألم يقل فرويد في "مستقبل وهم": "... هل تتصورون جميع تلك النواهي وقد رفعت؟ في هذه الحال سيكون في وسعكم أن تستولوا على كل امرأة تروق لكم دون تردّد أو أن تقتلوا منافسكم أو كل من يقف في طريقكم، أو أن تختلسوا من الآخر ما شئتم من أملاكه دون أن تأخذوا موافقته ! ألا كم سيكون ذلك جميلا، وما أكثر الملذات التي ستقدمها لنا الحياة في هذه الحال لكن الصعوبة الأولى لا تلبث في الحقيقة أن تنكشف بسرعة. فلقريبي نفس ما لدي من رغائب ولن يعاملني بمراعاة أكبر من تلك التي سأعامله بها. وفي الواقع لو حطمت القيود التي تفرضها الحضارة فلن يمكن لغير إنسان واحد أن يتمتع بسعادة لا محدودة، هو الطاغية الدكتاتور الذي يكون قد احتكر جميع وسائل الردع والقسر..." (مستقبل وهم الفصل 3) نتبيّن من هذه القولة الطابع العنفي والتّناتوسيّ الذي يحرك الإنسان وفق حالة الطبيعة أنه مجرد "ذرة حيوية"، "طاقة لبيديّة" تتطلب الجمعنة إكراهها وإرغامها وقسرها. لاحظوا جيدا القاموس العنفي الذي يحتكم إليه فرويد وهو يتحدث عن "الطبيعة الإنسانية La Nature Humaine في حالة الطبيعة A l’état de nature الاغتصاب، العنف، البطش، يقود الإنسان في كل ذلك مبدأ اللذة.
فمجتمع المندوقمور الذي يبدو منسجما مع الطرح الفرويدي إلى حد ما، يمارس القهر والتعنيف والتبرم من تربية الأطفال (*) وهو ما تؤكده مارغريت ميد، لذلك يكون رجال المندوقمور أكلة لحم بشري وصيادي رؤوس، كما ينظرون إلى أطفالهم كمنافسين لهم في الجنس أو "كموضوع للإشباع" الجنسي.
أما القبيلة الثالثة، وهي تسمى تشامبولي، وقعنا على عكس المواقف السائدة في حضارتنا تجاه الجنس، فالمرأة هي الطرف السائد المتجرد من العاطفة وهي الآمرة الناهية، أما الرجل فهو الأقل إحساسا بالمسؤولية، الذي يعتمد على غيره من الناحية العاطفية".
فهذا المجتمع إنما هو نموذج آخر من النماذج البشرية يتسم رجاله بأنثوية مفرطة ذلك أن المرأة هي التي تمثل الطرف السائد في كل الأعمال إذ تكوّن ثروة القبيلة وتتعهد الرجل وتطلبه للجنس: "إن الأملاك الحقيقية، التي يقتنيها الرجل بالفعل، تأتيه من المرأة في مقابل نظرات حالمة وكلمات رقيقة... أما موقف النساء تجاه الرجل فيتسم بالتسامح والتقدير. إنّهن يستمتعن بالألعاب التي يلعبها الرجال، كما يستمتعن بصفة خاصة بالحركات المسرحية التي يقوم بها الرجال من أجلهن".
فالسويّ إذن يختلف من حقل ثقافي إلى آخر، فسويّنا نحن، والطبيعي بالنسبة لنا، إنما هو "طبيعيّ" وفقا لما أملاه علينا تشريطنا الثقافي، فالمرأة وفق تصور مجتمع تشامبولي، التي لا تتخذ خليلا بعد موت زوجها، تعتبر غير "سوية" غير "طبيعية" غير "عادية" ومبالغة في تعففها إذ "يتساءلون: هل النساء مخلوقات سلبية باردة جنسيا يتوقع منهن أن يصبرن على دلال الرجال وتلكئهم، والجواب الضمنيّ في قبيلة تشامبولي هو: كلا إذا كنّ سويّات".


بمثابة خاتمة:
ماذا يمكن أن نستنتج من كل ما تقدم في ما يتعلق بالثقافة وبالشخصية وبالتشريط الثقافي؟ يمكن أن نستنتج:
‌أ-   أن مقولة الطبيعة الإنسانية الثابتة ليس هناك ما يدعمها ان على مستوى الواقع / الوقائع التاريخية أو على المستوى النظري. لقد استبدلت الأنتروبولوجيا الثقافية والأنتروبولوجيا السياسية نظرية الطبيعة الإنسانية الثابتة بنظرية الطبائع ذلك أن المجتمعات متناثرة ومتغيرة ومتباينة في نظرتها إلى الإنسان وإلى الطبيعة وإلى الكون وحتى في نظرتها إلى الأعداد، من ذلك، مثلا، تبرّم إحدى القبائل الموسومة "بالبدائية" من العدد واحد وذلك ما بينه بيير كلاستر في الفصل الأخير من كتابه "مجتمع اللادولة" (**).
‌ب-  الثقافة، مهما كانت بساطتها، تقوم بترتيب العلاقة بين الفرد والمجتمع وتسلك في ذلك طرق شتّى لضمان البقاء أولا، ولتوفير حسن البقاء ثانيا.
‌ج-    المجتمعات المختلفة تعلّم أشياء مختلفة.
‌د-          أكثر الأشياء حميمية لدينا مثل الذكورة والأنوثة تعود في نهاية التحليل إلى الثقافة وليس إلى الغريزة / الطبيعية. هي الأخرى، إنّما هي نتيجة تراكم تاريخي وليست مسألة غريزية. ألم تؤكد الأبحاث الأنتروبولوجية المعاصرة أن هنود الوانتو، كما بينت ذلك دوروتي لي لا يملكون على مستوى اللغة الضمير المتكلم "أنا". كما أن القصص التي يروونها غالبا ما يختلط فيها الشعور الذاتي والتاريخ الخاص بالتاريخ الجماعي، فالفرد ليس ملك نفسه وإنما ملكا لعشيرته، إضافة إلى ذلك إن الملكية الفردية فكرة لا تخطر ببال الوانتو، وإن كان هذا الاكتشاف الأنتروبولوجي لا ينسحب على كل القبائل البدائية إلا أنه يشي بتعدد النماذج الإنسانية وفقا لأنماط الإنتاج التي أوجدوها لأنفسهم "إنّ الحياة القبلية عانة وليست خاصة، وكل أوجه النشاط في القرية عامة وشعائرية، فالصيد والعيد والزواج والحرب كلها تتم بصورة مشتركة، وترك الفرد لذاته ترف لا تملكه شعوب القبيلة. ومن ثمّة فلم يحلم أحد منهم بهذا وحتى المساكن هي في العادة عامة. فالشخص الذي يريد أن يكون وحده قد يجلس في مواجهة الجدار، وهذا هو مدى الخصوصية المتاحة".
فلظهور الإحساس بالأنا، والذات، والشخصي والحميمي، يستلزم تفجير نمط الإنتاج الذي أوجدته المجتمعات الموسومة بالبدائية والتحول من حياة القرية إلى حياة المدينة (راجع الفصل السادس من كتاب الغرب والعالم).
إذا كانت أكثر الأشياء حميمية تعود إلى الثقافة وإلى التشريط الثقافي وإلى التاريخ فإنه يتوجب علينا مساءلة لا شعورنا المعرفي عن طبيعة ثقافتنا ما إذا كانت ثقافة تسمح بالشرك بالرأي الواحد، والسلطة الواحدة، والمركز الواحد، أم أنها لا تقبل الشريك، أي لا تقبل بالّلا الحاملة لعلامات الرفض والاستبداد وللعقل المغلق.
فإذا شاهدنا العنف يلفّ علاقتنا الاجتماعية فمن حقنا التساؤل عن طبيعة العلاقة التي تتمفصل من خلالها "الأنا" بـ"النحن" الاجتماعيين، إن الوضع العنفي لا يمكن أن يفرز، إن آجلا أو عاجلا، إلا تناتوسا / موتا معمّما، ويبدو أن العلاقة اللاسوية بين الذكر والأنثى في المجتمع الثالثي علامة من علامات طبيعة "الثقافة السلطوية" المبنية على الامتثال، والترويض، والتدجين، والدمغ، لكل ما مغاير.
الهوامـش:
(**) "يلعب هو دور الذكر، تلعب هي دور الأنثى، وهو يلعب دور الذكر لأنها تلعب دور الأنثى،  وهي تلعب دور الأنثى لأنه يلعب دور الذكر. وهو يقوم بدور ذلك النوع من الرجل الذي تعتقد هي أن نوع المرأة، الذي تقوم بلعب دوره، لابد أن تعجب به، وهي تقوم بدور ذلك النوع من المرأة، الذي يعتقد هو الرجل الذي يقوم بلعب دوره. لابد أن يرغب فيه، ولو لم يكن يلعب دور الذكر لكان على الأرجح أشدّ منها أنوثة – اللهم إلا في الحالات التي تكون فيها مسرفة في لعبة الأنوثة. ولو لم تكن تلعب دور الأنوثة لكانت على الأرجح أشدّ منها ذكورة – اللهم إلا في الحالات التي تكون فيها مسرفة في لعبة الذكورة. وهكذا يزداد لعبه شدّة، ويزداد لعبها نعومة...".
Betty Rozak and Théodor Rozak, Masculine/Féminine (New York Harper and Row 1969).
-   The west and the world, Atopical history of civilization by: Kevin Reilly 2 vols, Harper and Row 1980.
-     ترجمة د. عبد الوهاب محمد المسيري ود. هدى عبد السميع حجازي – الكويت 1985.
-   The mind managers – by Harbert Schiller, Bracon Press, Boston 1974.
-     المتلاعبون بالعقول ترجمة عبد السلام رضوان – الكويت أكتوبر 1986.
-   المجتمع والعنف: تأليف فريق من الاختصاصيين، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط ثانية 1985 – الفصل الثالث: جذور العنف، الحيوية النفسية والنفسية الاجتماعية، - ميشال كورناتون.
-     مستقبل وهم – سيغموند فرويد – ترجمة جورج طرابيشي – دار المعارف بيروت لبنان 1980.
(*) تقول ميد "إنّ نساء المندوقمور يُرضعن وقوفا إذ يُمسك الطفل بيد وفي وضع يُثقل يد الأم ويُمنع الرضيع من تحريك يديه. ولا يحدث لهن، كما لأخواتهنّ النساء الأرابيش أن يمارسن عملية الرضاعة بهدوء وحب ولذّة. فلن يتسنى للطفل أن يطيل وجبة وجبته وهو يداعب جسده أو ثديي أمه وكل ما ينبغي له أن يفعله هو امتصاص كميّة من الغذاء كفيلة بانتزاع مواقفه، دونما بكاء، على إعادته إلى سلّته. فما أن يتوقّف لحظة عن الرضاعة حتى يعاد فورا إلى سجنه، لذا يبدو الرضّع على جانب من القتالية والعناء فلا يفلتون الحلمة بل يرضعون بكل ما يملكون من سرعة وقوة وغالبا ما تضيق أنفاسهم لسرعة ازدرادهم فتفقد الأم صبرها ويعلو صياح الطفل. وبدل أن تكون الرّضاعة عملا مغمورا بالحنان واللطف تُصبح وضعا يتميّز بالغضب والصراع...".
Sex and temperament in three primitive societies by Margaret, Mead, New York : Dell, 1950,1963



2 commentaires:

  1. إلى العزيز علي ولم تره عيني مباشرة إلا مرة واحدة سليم دولة أرجو أن تقبل شيئا من هذا العتاب الخفيف و الذي
    كنت سأكتبه على صفحتي وها أنا استغل الفرصة لأقوله مباشرة أملا أن تقرأه
    من المؤكد أن ليس لي أي سلطة كانت (إلا سلطة القارئ لو وُجدت) على الكاتب سليم دولة، لكن ولو كان الأمر بيدي فلن أغفر له البتّة تقاعسه أو كسله أو لنقل صرفه النظر عن كل المشاريع التي تركها و لم يتمّها بحجّة التُناس (الكسل التونسي الأصيل وهذه المفردة من إبداعاته).. ولوهلة لمّا تحدث عن رسالته "في الشدخ والتعذيب" مر من أمامي خيال ميشال فوكو وهو يبحث في تاريخ الجنون في مستشفى فرنسي، هو حرّ فيما يفعله و ما لا يفعله لكن الأبواب التي كان سيطرقها لم ُتفتح من قبله (على ما أعتقد)
    --------------
    ختاما أرجو لك دوام الصحة و العافية و أرجو منك شيئا من الجهد فمشاريعك الكتابية لم يفت وقتها ابدا

    RépondreSupprimer
  2. السيد ولد العياري سعدت حقا بكرم مرورك .. المطارحة تطول يا صاحبي . احترلماتي الشااااااسعة

    RépondreSupprimer

محرك البحث