dimanche 22 mars 2015

(لقاء مع فيلسوف اُلجُوديّة -الشّهْرزادي اُلْــتُونِسي مُصطفى كَمال فَرْحَات .)


 مَديـحُ  "فيلُودَنْدروس" / عَاشِق اُلْشّجَرِ  "الغَابَاجِي" ...
ومَثَالِبُ اُلْتَصَحّر   اُلْـحَضاري  اُلْـمُعَمّم .
(لقاء مع فيلسوف اُلجُوديّة -الشّهْرزادي  اُلْــتُونِسي مُصطفى كَمال فَرْحَات .)


لقد سافرت من "قفصة" إلى مدينة سوسة التونسية  خصيصا لألتقي بالأستاذ الجامعي بجامعة القيروان وأضمرت في نفسي" شرا حبريا "  والمتمثل في  اجراء لقاء مع هذا الحكيم التونسي جوّاب المعارف .. الشغوف باللغات والغابات لذلك كنت اطلق عليه بيني وبين نفسي " فيلودندروس" / عاشق الشجر " الغاباجي".  وحين اللقاء بِسُرّة مَدينة سوسة الجميلة والتي هي درة حقيقية من درر جعرافيا وطن القلب / تونس . بادرته بعد مُفَاكهة صباحية بسؤال مباشر  من أنت ؟  حدثني عن نفسك بصيغة  الغائب  أيها السيد الحكيم...؟
·      
مصطفى كمال فرحات    من مواليد  (26  أوت  بقصر/ قفصة / الجمهورية التونسية ). زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة 4 ديسمبر   "بالقصر"  وتعليمه الثانوي بمعهد " حسين بوزيان " بقفصة المدينة .
مع انقطاع وقتي عن التعليم (1968/ 1972) . عمل موظفا بقسم الإحصائيات بالشركة الجهوية للنّقل ( القوافل ).
رجع الى التعليم عبر الباكالوريا الفرنسية 1972 .  سافر الى بلاد " ديكارت "  و "ايديت بياف"  حيث زاول كل مراحل التعليم العالي بجامعة باريس 
 السربون ( باريس 4) الى حدود نيل شهادة الدكتوراه مرحلة ثالثة في الفلسفة ( قُدّمَتْ الرسالة 10 _ 12 _ 1979  ) وموضوع الرسالة :" ألكسندر كوجاف وفكرة فلسفة تاريخ الفلسفة كمنفذ مُمْكِن الى الحِكْمَة " . طوال فترة ( 1972/1979) تتلمذ على  كبار فلاسفة وعلماء ومفكري فرنسا .الذين درّسوا  بـِمُختلف  فروع جامعات السّربون ( من باريس 1 الى  باريس 12 .الكولاج دي فرانس )  ومنهم : ريمون آرون .كلود لفي شتروس .ميشال فوكو .رولان بارث.جاك ديريدا .ايمانويل ليفيناس. ميسال سار .هنري كوربان .سوزان باشلار ,جاك لاكان .لويس آلتوسير .اتيان باليبار .روبار مسراحي .... لقد شرد ذهني حينئد  وهو يستعرض قائمة  هذه   الأسماء وغبطت الرجل لجلوسه أمام هذه القامات الفكرية ثم استعدت تحفزي وطرحت عليه السؤال :
كيف يمكن للْواحد من  سائر اُلْبَشَر أنْ يَشْغَف "بالفَلْسفة " "زهرة المدائن "  و"ورْدَة اُلْأزمان " والمقْصود هو أنت  أيها السيّد الحكيم الصّامِت ؟ أطرق السيد الحكيم طويلا حتى خلت انه لم يسمعني أصلا ..ثم سرعان ما اُنْساب في الحديث:
           
  أن يكون الانسان- مطلق الإنسان -                        مأخوذا وَلِها ,شَغُوفا  بِالفَلسفة فهذا نابعٌ منْ طبيعة الإنسان ذاته باعْتباره أكثر الكائنات قَلقا وخوفا وتـمَرّسًا بالحيْرة والإنْدِهَاش الـمُدْهِش  و اللّذة و الألم أيضا ,اذْ هو كائن اُلْـمفارقات ...  وليس صدفة أن يتحدّث الفلاسفة الكبار كما كارل ياسبرس وغيره عن " فلسفة الأطفال العفوية " . كل الأطفال فلاسفة "بالقوّة"  بِطَرْحهم  تلك الاسئلة
" المحرجة " على  الكِبار حول" أصل الأشياء"  ومصيرها حين الإختفاء كما السؤال حول الشّمس والقمر والمطر والله. النزوع إلى "المعرفة"  والذي هوّ عنوان الإقرار بالجهل  انما هو أصل كل اشكال "التفلسف"  و قد يكون منطلق ذلك يعود الى اشتقاق كلمة الفلسفة ذاتها والذي هو اشتقاق لا أغْرب ولا أعْجب . _ قُلْت_ كيف ذلك ؟ قال  إنّه أشبه ما يكون بالجمع بين " الزّيت والنّار " . قلت لم أفهم . وأطالب بحقي في بعض الغَبَاء الصباحي ؟
ضحك السيد الحكيم وأجابني:
الزّيت كناية عن الحكمة :  بما هي ّرصانة ومعقوليّة واعتدال  وإقرار بالحدود الممكنة للمعرفة  البشرية الواثقة من ذاتها خوفا من التعصّب والدّغمائية  وصَوْنا لأسوار المدينة على اعتبار تلازم الأشقّاء : " الفلسفة /العقل /المدينة . أما النّار فهي كناية عن الحبّ . الحبّ الذي لا يمكن أن يكون إلاّ شططيّا  على شاكلة النّموذج الكوني لذلك وهو ما أسميه :
" المَـجنونليْليّة " ويُمكن اسْتِحضار "مجنون إلزا " لأراغون مع "مجنون  ليلى العامرية" قيس بن الملوح  ولنا في مدوّنة
" تزيين الأسواق بمصارع العشاق " عبارات وإشارات دالّة وباختصار إنّ الفلسفة حين تكلّمت إغريقيا تَسمَّت
" بمحبّةالحِكمة " وبأكثر دقّة يمكن للفلسفة أن تكون :
" مَحبّة محبّة الحِكْمة "  على اعتبار أن " ربّ الحُبّ " عند الإغريق هو  سيّد الأسياد " إيروس "و هو فيلسوف بامتياز كما تُفيدنا بذلك " مُحاورة المأدبة " اللذيذة لِأفْلاطون . قلت بيني وبين نفسي : " الحُبّ حَالَةٌ مِنْ حَالات اُلْـمَوت عنْد العَرب  وهو نزيف فؤاد  وهاهوّ الحكيم السّقْوي/ اُلْإرْتوازي  أخَذَ ينْحَتُ منْ فؤاده " حين استرسل قائلا :  مدار الأمر إذن هو " المحبّة " والصّداقة  إذ لا معنى للمحبّة دون صداقة لأنّهما يَنْجَذِرانِ في ضَرْبٍ  وطِرازٍ منَ الأنطولوجيا العاطفية الإنفعالية وهي "تُرجمان أشواق" حِذْق وتعهّد وفِلاَحةٍ  ورعاية لا تـكّل سَعْيا في طلب المـحْبوب  دونما شروط  من أجل مُعَاشَرة مَـخْصوصَةٍ للوُجودِ . قد اقترحتُ تسميتها : " مُعاشرة مُمْكنيّة جوديّة للوُجود ". ولعلّ ما آلت اليه الأمور اليوم على يد "هايدجر" و"ليفيناس "من قلْبٍ للعبارة أقصد عبارة الفلسفة " محبّة الحكمة "  لتستحيل معهما إلى :
" حكمة الحبّ "  دليل على مدى الوجاهة النّسبيّة لهذا "التأويل" لأنّ التّركيزَ على " الحِكمة " على حِسَابِ "الحُبّ" من شأنه أن يُفْضي إلى هجْر وهجران الحُبّ ذاتَه  باعْتباره سَفرا سِنْدباديا وترحالا عُروجيا نحو المُطْلقِ / المُحَرّرِ الفعّال لفِعل التّحرر والتّحرير   من عـَجْرفة وهمجيّة  إدّعاء وجوب القَفْــز  مُباشرةً إلى "الحكمة"  دون  مَـحبّة خالصةٍ ومُخْلِصَةٍ  للحكمة - ويا للمفارقة – مثل تلك التي  فعلها  " هيجل" حين زعم  امْتلاك المعرفة المُطلقة  "بالحقيقة المطلقة" وإنهاء التاريخ بذلك.  فكان الإجهاز على " الصّيرورة المعرفية " والعمليّة للبشر _ وأخطاء الكبار كبيرة _  وذلك ما حمل فيلسوف " المجتمع المفتوح وأعداؤه " كارل بوبر  على اعتبار هيجل بعد أفلاطون من الآباء المؤسسين للفكر الكُلياني الـمُغْلق  وتَرجماته العملية الـمُفْرطة في القَسْوة  : ثقافة وسياسة واجتماعا وقيما جمالية وأخلاقية  .. وهو ما نَعيشه اليوم كوْكبيا/ مَعْموريا / مَسْكُونيّا  في هيئة سيادة عَولمَية  للفكر الواحد هي  بمثابه "ليفْياطونية" هوبزية شعارها السّري والمعلن أيضا :" حرب الفرد ضد الجماعة وحرب الجماعة ضد الفرد  وحرب الجماعة ضدّ الجماعة وحرب الكلّ ضدّ الكلّ " وهو ما يشرّع له اليوم على سبيل المثال صاحب " أُمسوخة   أقصد أطروحة " : صراع الحضارات " ( هنينغتون )   مُدَعِّما على طريقته استنتاجات "فوكوياما" حول " نهاية التاريخ " . فوكوياما  الذي عاقبته " الثورة التونسية "  اذْ بـَرْهَنت على أنّه ثمّة بدايات أخْرى للتاريخ ...  وأنْ لا أحد يـَمْلك مـهما أوتيَ من علم أن يهرب بمفاتيح قلاع التاريخ التي سوف تظلّ مفتوحة / منفتحة على كلّ الـمُمْكِنات الـمُمْكنة و أنّه لا شعْب من شعوب الكون  بإمكانه  في نهار من نهارات البشرية أن يزعم لنفسه "فصل المقال" فيما يـُمْكِن أن  يَنْقالَ أو لايَنْقال في التّاريخ وقول التاريخ ممارسة .. وفعل
و" براكسيس ". قلت لصديق الحكمة مستفزا :
لقد لاحظت مُعاينةً أنّك مُعْنَى بملاحقة المفارقات  في الممارسة الفلسفية وكأنّك تعمل بوصيّة جدّك ابن حزم الأندلسي الذي أوْصانا في آخر أيّام حياته بضرورة " التّأريخ للرّذيلة " . و"كأنك أخصائي في مسائل الإنحطاط والتّدهور "  وفق عبارة نيتشه .. وهذه مفارقة  أيضا  _ أو هكذا تبدو – إذ تَدْعو إلى ما كنْتَ أطلقتَ عليه منذ ثمانينات القرن الماضي :" ضرورة تَغْيير القِبلة " والتّنظير "لفلسفة الجود"  وفق نظرة شهرزادية للكون الأعمّ ؟ أطرق السيد الحكيم الجودي طويلا كما عادته ثم قال لي :
من المكوّنات البُنيَوية للخطاب الفلسفي بما هو " ممارسة نظرية " الإندهاش النّظري خِلافا للإندهاش العفْوي لدى الأطفال   على رأي أرسطو ضدّ الغفلة المعرفيّة و "التسلح" بالشكّ المنهجي " ضدّ الوثوقية  والشّجاعة على اسْتعمال العقل نقديّا وفق التّوصية الكانطيّة .. طلبا للتنوير ضدّ التزوير .. واليقظة ضدّ السبّات الوثوقي ... بحثا عن بديل إقامي ممكن في العالم بأقلّ   آلام  الأوجاع الـمُمْكِنة . لا  نَنْسى أنّ المطلبَ الرّئيس المعبّرَ عنه والضّمني لكلّ الفلاسفة  هو " دفع الأحزان " وفق عبارة  "الكندي "
و" تحصيل السّعادة " وفق عبارة الفارابي أو" مداواة النفوس " وفق عبارة الحكيم الأندلسي ...
وفعلا من   بين انهمماتي  المعرفيّة الاشْتغال على الـُمفَارقات  واسْتِتْباعتها  العَجيبة   التي تدعو إلى الدّهشة  من ذلك أن هيجل وهو من أعظم فلاسفة العالم
قد انتهى به الأمر إلى تحويل فكر   "اللاّنهاية" إلى مشروع إنـْهاء بمعنى وضع نهاية للفلسفة والتاريخ والفنّ و مُنْذئِذ أصبحت الفلسفة بمثابة دفتر وِفايات حيث تمَّ نَعْيُ  "المعبود" و"موت الإنسان" و"موت المعنى" و"موت العمل" و"موت الحبّ" و"موت العائلة" وموت  الدولة" "وموت السياسة "  على رأي جون بودريار . قلت ما
ما العمل إذن وقد ساد مَعموريّا المناخ الجنائزي المِقبري رغم كرنفالات الفرح الإصطناعي الـمُعَلّب . بلغة أخرى: أيّ وظيفة للفلسفة اليوم وقد تجلّى" الشرّ المحْضُ" في كلّ الجهات والجبهات.. والموجع الأوجع أخبار بيتنا العمومي التونسي  العام. قال لي صاحبي : ان جرعة زائدة من الحزن المفرط يمكن أن تقتل شعْبا بأكمله ...وتُسقط حَضارة بِـرمّتَها. فليكنْ سلاَحنا الأمضى ضد العنف وتبْذير العنْف في المحلّ والكون  في الأمل رَغْــم الألم ..
إنّ الفلسفة مَصنعٌ ومستودعٌ ومُوزِّعٌ للممكنات نظرّيُها وعمليُّها وعاطفيُّها فإنّه يتوجّب عليها :
أوّلا  : أن تكفَّ عن "أوتو- فاجيّتها"  -Autophagie- أي أن تكفَّ عن أكلها لذاتها إذ أصبْح دِينها ودَينَنُها البَحْث عن مبرّر لوجودها في تجلّيات ثقافيّة سِواها
وأن تستعيد قدرتها المخصوصَة بها دون سواها على اكتشاف " الاّمُفكَّرِ فيه بَعْدُ" في سائر مجالات النّشاط الإنساني دون استثناء بعيدا عن منطق الإختزال القاتل واللّهث وراء الموضَوِيّات المولودة ميّتة أصلا مثل الصّراع الوهمي بين
" سَدنةِ الحداثة وأرباب "القَدامة" و"كُهّان ما بعد الحداثة " وإنّه لمنَ المحَيّر حقّا والمدْهِش أنّنا نـكاد لا ننْدَهشُ بفعل طوفان البَداهات الخادعة . إذا كانت الفلسفة بنتَ الحبّ فلماذا وقعتْ في شِراك التّنظير والتّبرير للحَرْب والإحْتراب في الرّاهن الحضاري ؟
_الأكيدُ أنّنا في يومنا الحضاري هذا نعيش كونيّا الواقعة السرديّة الواحدة أقصدُ "المدَّ القصَصِي الواحد" وبفعل ذلك تحديدا لا يمكن إلاّ أن يسود غير الصّوت الواحد الواثق من المَقول الواحد فيعمُّ القرفُ من الوجود والموجود إلى حدّ إرادة تدمير كينونة الوجود ذاته... وما من حلّ ممكن عندئذ إلاّ بثورة أنطولوجيّة جِذريّة وشاملة من شأنها أن تُكثّر وتنوّع لانهائيا من القصص والحكايات والرّوايات والأحاجي أيضا
قلت للحكيم الإرتوازي:
ها قد وصلنا إلى مشروع حياتك الكتابيّة والفلسفيّة :فكيف جعلتَ من "شهرزاد الحكاية" دالّة حضاريّة جديدة للإقتصاد في العنف الإستحْواذي الشَّهرياري  على الكون؟
_ قد يعنيني أن أذكّرَ بمضمون سيادة "القصّة الواحدة" إنّها قصّة "ديانة العجل الذهبي" بما هي قصّة الديانة "الشّرعية" السّارية المفعول اليوم و " ربّ" هذه الدّيانة هو ما أسميته
" بالرّأسمالوت" كناية عن الرّأسمالية الـمُضَاعَفَة أو "رأسماليّة الرّأسمالية" ويمثّلها عندي الشّخص المفهومي "قارون" بعلاقاتها  "بفرعون" ممثّلا بدوره للسّلطة السّياسية البطّاشة و"هامان" ممثّلا للسلطة المعرفيّة علما بأنّ "الفِرعونيّة" و"الهامانيّة" بجنودها في خدمة "القارونيّة" وهذا ما يُشكّل في ملّتي واعتقادي نوعا من الأرغانون – المنطق الجديد الّذي يتمثّل كجوهر "الرّأسمالوت" تقوم في خدمته مقولات جديدة-  هي:
 -  الحسَبُوت الرّبحي
- الكذبوت الإعلامي
- الجَهلوت الإختصاصي
- النّخبوت الإنبتاتي
- الثّقفوت الإنصياعي
الرّهَبوت السّلاحي.
_ إذا كانت" القصّة الواحدة" وفق عبارتك تقود بالضّرورة إلى استفحال العنف والعنف المعمّم الّذي يطال الشجر والحجر والحيوان والبشر والذاكرة والقلب والوطن والعاطفة فما هو المحلوم به بالضّبط من قِبَل الفيلسوف الشّهرزادي
_ مَنْ أقدرُ من شهرزاد على مسح الطّاولة وقلب طاولة "الواحديّة السّرديّة " بقصّ  وإبداع ما لا نهاية له من الحكايا التي هي في حقيقتها ممكنات جُود وأسَاليب كيْنونَة ضدّ تفقير وتصْحير الوجود من أشجار حدائق الإختلاف الخلاق للتنوّع...  . لكن من هي هذه الشّهرزاد؟ بالإضافة إلى دلالتها الأدبية المتداولة فأنّ لي تأويلٌ مخصوصٌ للإسم نفسِه . فكيف ذلك؟
شهرزاد من جهة الاشتقاق اللّغوي الفارسي هي اسم منحوت من كلمتين "شَهر" وهي المدينة  و"آزاد" وتعني
 الحريّة ممّا يعني اسم شهرزاد: اقْتضاء الحريّة للمدينة ممّا يعني أيضا أنّ هذا الاسم في حدّ ذاته "شهرزاد" أنّما هو مشروع فلسفة سياسية – أخلاقية – جماليّة مُتكاملة ضدّ واقع المدينة المضادّة مدينة المـُـدْية والسّيف...  العقابيّة القَصاصِية لشهريار الشّهير بسفك الدّماء وتبديد النّساء.
إذا كانت هذه هي "شهرزاد". شهرزاد الأحلام بتأسيس المدينة المحلوم بها فمنْ هذا الشهريار ؟
_اسم "شهريار" في اللّسان الفارسي يعني "حاكم المدينة" فما الذي يحصلُ عند استنطاق هذين الشخصين المفهوميّين بالمعنى الدّولوزي للكلمة .إنّها الثّورة القصصيّة الشهرزاديّة ضد الواقع القِصَاصي الشّهْرياري كما هو سائد اليوم من هنا كان انْهِمامي باستثمار قرائي تأويلي  لهذا المجاز التّجاوزي النّموذجي في تخطّي الممكن للمنزلة الجنائزية التي ترَدّيْنا فيها هذه الأيام واللّيالي السّود.. فلو قارَنّا اسم "شهرزاد" باسم أختها "دُنيازاد" فإنّ ذلك سوف يَعْني  ضمن تعميم ما أطلقت عليه :"اقتضاء الحرية للمدينة" ليشْمل الكون كلّه لأنّ اسم "دُنيازاد" يعني الحريّة لكلّ العالم. وعندما نقرُن اسم "شهريار" بإسم أخيه "شاه زمان" والذي يعني "حاكم الزمان" أي حاكم العالم بعوالمه المختلفة  فإنّ ذلك يعني أنّ الثورة الشهرزادية إنّما هي ثورة "الدُّنيازادية" بمعنى ثورة كونيّة من أجل إنقاذ الكون من جميع ضروب العبوديّة وهي مطلب ضرورة الحريّة للعالم ضد الاستبداد الكوني المعمّم
قلت للحكيم الإيكولوجي :
هل أنت حقّا فيلسوف حداثيّ ؟في حين أنّك من جهة التكوين كائنٌ تراثي درستَ عند قامات فكرية في أكثر الجامعات الفرنسية .درست عند فوكو ,لفيس ستراوس ريمون آرون , ميشال سار, لويس ألتوسير, جيل دولوز رولان بارت, بيار أوبانك. فرديناد ألكيي, ليفيناس , فيلمان فرنسوا جاكوب.. فكيف استطعت أن تُحبَّ رامبو دون أن ينتصر لديك على "طرفة بن العبد" ولا أن يـَهْزم في ذاتك فولتير الجاحظ ولا أنْ يُغيّبَ من ذهْنك "هايدغير" محيي الدّين بن العربي ولا عبد الجبّار النّفري؟
_ بالنّسبة لي لم يكن ثمّة أدنى عائق أمام تلاقح مُـختلف أبعاد تكويني وأكثر من ذلك لقد وجدتُ مناسبات وفرص عدّة لفهم بعضها على ضوء بعضها الآخر من ذلك ساعدتني دروس تلاميذ لويس آلتوسير وأقصد بيار ماشراي وإتيان باليبار على تفاعلي مع دروس ريمون آرون حول كتاب "رأس المال" لماركس مثلا كما الأمر بالنسبة لدروس ميشال سار التي حبّبتْ إليّ تلقيح العلوم بالشِّعر والرّواية والقصص والأمثال و آداب الشّعوب عامّة من ذلك مثلا أنّ لميشال سار درسًا حول "فلسفة النّقل والمواصلات في ألف ليلة وليلة" وهو من أطرف المباحث وأكثرها أصَالة فكرية وجُودا معرفيّا ,كما استفدتُ من طريقة ميشال فوكو في تشريحه الأرْكيولوجي الميكروفيزيائي للعقل الغربي واستنطاقه الحَفْري لنُظُمه الفكرية وممارساته الطبيّة والعقابيّة وتوزيعه للثروة و"المراقبة والمعاقبة"
_أين يمكنُ تنزيل ما أسميتَه "بالثورة الأنطولوجيّة الشهرزاديّة" ضمن إنهمامك الفكري العامّ  أم أنّه مشروع مكتفٍ بذاته على الطريقة النّسقية الهيجليّة ؟
_ المنظور الشهرزادي ينْدرج ضمن مشروع أشمل وهو مشروع " الإعْراب الإنْسِلامي للوجود على أنّه سليل الجُود اُلـمُطلق"  . قلت بتَداهُش ماكر :
ما المقصود بالإعراب الإنسلامي تحديدا ؟

_من حيث المنطوق هو ما يذكّرنا بانتماء مخصوص للعروبة والاسلام بعيدا كلّ البُعد عن المفاهيم القوميّة والمِليّة السّائدة لدى العرب والمسلمين .فالإعراب عندي له ثلاثة أبعاد:
معرفي : معرفة محلّ الأشياء من الإعراب ويشمل كلّ مجالات معارف الإنسان .
الإعراب عن : ويشْمل كلّ مجالات الأدب والفنّ والموسيقى..
الإعراب العاطفي :ويشمل كلّ مجلات الحبّ والصبابة وسائر الأهواء.
فما معنى انسلاميّ؟
_ يعني بالفرنسيّة "أوتو باسيفيون"  والمقصود تحديدا إنّما هو مشروع إفشاء السّلام كونيّا على العالم على أساس رؤية الوجود بما هو جود بلا نهاية,  لهُ من الممْكنات ومنَ الأكوان الممكنة التي تحتاج لحذق فقهها ومُعاشرتها لكلّ أبعاد الإنسان دون استثناء ولا تحتاج إلى أيّة صيغة من صيغ الصّراع المسلّح أو  الإحتراب لأنّ الكينونة في جوهرها "مُـمـْكِـنَويّة" مُفْعَمة ثراء  لامُتناهيا, فيه لجميع الكائنات غذاء وشِفاء.. فلا نَدْرة البتّة ولا فَقر في أيّ مظهر من مظاهر الوُجود وإنّما قد يـكون الفقر في النّظر وفي الفكر وفي القلب والبصيرة
_ هل هي عودة المكبوت الفلسفي الذي ألجمتْه أنْظمة "المراقبة والمعاقبة" وأهل المصارف العابرة للجنسيّات والقارّات؟ هل هو استئنافٌ لحلم الفارابي ومن سبقوه ومن لحقوه من الفلاسفة الحكماء لبناء "المدينة الفاضلة" مدينة الجود والصّفاء الكمالي ؟
_ لِـمَ لا تستأنفُ أنبل ما حلمَت به البشرية جمعاء مرموزٌ إليها مثلا بفلسفة الفارابي أو ج .ج  روسّو إذ أنّه من أقدس حقوق الإنسان أن يَقوى ويتطاول على الحلم ضدّ أعداء الحلم بالحبّ والعَدل والحرية أقدس مقدّسات الذوات البشريّة وإن ثمّة من البشر من يستطيبون "العبودية الإرادية".
حين هذا الحين قلت لصاحبي الحكيم "الغاباجي" الصّميم
_ ثمّة ما لا يَنطاقُ من مواقف الفلاسفة من منظور الفلسفة ذاتها بما هي ممارسة نقديّة مسكونة بالشّوق إلى السعادة والعدل والحريّة فما هي أطرف المواقف التي صدمتك كقارئ للمُتون الفلسفيّة ممّا لا ينْطاق من مواقف الفلاسفة؟

فولتير_ مثلا _ المدافع الشّهير والجَسور في دفاعه على الحرية والتسامح وقيم العقل في كونيّتها يتّضحُ أنّه مُساهم كبير في مشروع حمل العبيد والرّقيق بحرا إلى العالم الجديد  أمريكا .
"توكفيل" المنظّر الشهير للديمقراطية في أبهى مظاهرها ينْحَطّ إلى الدّرك الأسفل بدعوته السّافرة إلى نسف المدن الجزائرية وتطبيق مفهوم "الحلّ النّهائي" والمتمثّل في إبادة السّكان على بكرة أبيهم الذي سوف يتبنّاه بحذافيره "غوبلز" منظّر النازيّة الشهير وهو أمر مُرعب لا يليق بكرامة الفكر الوقّاد ... كذلك الشّأن بالنسبة لِ"ليفيناس" فيلسوف أخلاق المسؤوليّة عن الآخرين" يتبنّى مبدأ  "الاّتَقايُس" بين حجم آلام اليهود وحجم آلام الفلسطينيّين إذ مهما بلغ ألم الفلسطينيّين في نظره  لن يبلغ أدنى ما بلغته آلام اليهود وهو بهذا الموقف يشكّل أخطر مظهر من مظاهر النّذالة الفكرية.
حين هذا الحين ودعت " فيلسوف الجوديّــة " والنظرة الشّهرزادية المحلوم بها لعالم ... لأغوص في حُزن مُرْبك لكُلّ الخلايا من واقعة:" مُتحف باردو"  ليوم الأربعاء 18 مارس/ آذار  2015  ليُغالبِني الدّمْع   مُعتذرا   باسم تاريخ تونس لكلّ  الشّهداء من الوطن والضيوف 
 آه يا تونس .



1 commentaire:

  1. PAIX à Son ÂME. Qu'il repose en PAIX et que sa philosophie et son savoir soient utiles et surtout médiatisés. Allah le bénisse.

    RépondreSupprimer

محرك البحث