mercredi 24 juin 2015

رائعة محمد بوعَمُود " غَضَبُ اُلْأيّام "


رائعة محمد بوعَمُود " غَضَبُ اُلْأيّام " روايةٌ  تـَكْتُب عَوْدة مَكْبوتِنَا .. وجُرحنا النّرجسي التّونِسي ...وتَلَعْثُـمَنَا العَاطِفي

سليم دولة

.....
اشارة من المتن :" ماذايمكن أن يحْصل حين يجتمع الجهل والضّغينَة والمَالُ؟ 
وأي مصير ينتظر "الأجيال" التي يتحكم في مصيرها من يمكن لي تسميتهم " أثرياء الصّدفة" كما محجوب المداحي " وقناصة الغنائم باسم كلمات السّماء.."المقدسة"
شارة ثانية : الحب المستحيل عذْب ومُعذّبٌ .
يابنت حِبري وحيرتي
اشارة ثالثة :
 "Chacun ne se sent vivre que dans l'autre."
Goethe ; La fiancée de Corinthe (1797)


                                                1
حياة البشر _ مُطْلَق اُلْبَشَرِ _  كما " الأشْياء " ... أو" الأمْكِنة " أو " التّواريخ والأزْمِنة  "  أو الوقائِع  الحربيّة  أو النّفسيّة .. كما هو  الوقوع في" الحُب الشبقي "
أو" الطّهري/ العُذري"أو " الهوى الـمُحرّم"   .. كما المنعطفات السياسية   كلّها
"مواد خام "  كما العمَل على ما يـُمْكِن لي تَسميته " "تشريح حَالات الذات الكاتبة"  " قابلةٌ هي جميعها   قابلة  للتّحْويل  والصّياغة الحِبْرية لتشكّل حدثا "رِوائيّا" مُركبا ومُعَقدا ويتردّدُ ذلك " الحدث الحكائي" بشخصياته وشخصوه  ووقائعه.. بين الواقعي والخيالي . بين الليلي والنهاري في حياة الناس السرية والعلنية  من خلال " تطريز " و" حياكة "   سِيّــــرٍ سَرْدِيّة و وقائع  حِكائيّــة تَتَقصّى سيرةَ الذات الفرديّة أو الجماعيّة في حِــلِّـهَا وتِـرحالها العاطفي بانْتصاراتها وانْكساراتها فتحاور " آمالها .." ومخاوفها .. وقد تكتب " تاريخ  حُلمِهَا و لَـحْمها  و"مَلْحمة" سقوطها ...
2
 المهمّ عنْدي  حينَ هذا الحين  أنّـي أنـْهَيتُ ذات فجر تونسي  قراءة رواية " غضب الأيام " بالفرنسية للروائي التونسي محمد بوعمود ..وقد أخذتني بأوجاعها .. وحيرتها ..وقلقها الوُجودي الذي يـُـمـــزّق اللحّم ونياطَ القلْب ليهّشم العَظم وإنْ بـرهَافة الحِبر. "الكاتب "/ السّارد / "الاله الحبري" / "الرب السردي" مَوجُوع في سُويداء القلب ... والقلم يـحْفر بَعيدا في الذاكرة الحَليبيِّة _ العاطفية الحَزينة "للعائلة التونسية" التي فَقَدَتْ فِعْلاً وَزْنـَها واتِّــزانَها وتَوازنها وخَزان مَـخَازنـها العَاطفيّة والعطر الأسري فَضَاعت البَوْصَلة  الجَامعة للجَماعة   بفعل التغيرات الإجتماعية والإقتصادية / السياسية  القَسْرية الضاغطة والعنفية الجارحة التي عصفت بالبلاد التونسية والعباد منذ ستينات / سبعينات القرن الفالت كما حدث مع هذه العائلة
   الساحلية من جهة ( مساكن ) عائلة " المدّاحي. هذه العائلة  " ضحيّة من بين آلاف ضحايا " تجربة التّعاضد الإشتراكية  في صيغتها التونسية " كما سرد وقائع سنوات جمرها بكل حرارة  ومرارة  محجوب المداحي  لفلذة كبده الوحيدة " فيصل " _ مدار الرواية وحياكة الحكاية _  ذات ليلة اعترافات صادقة وموجعة لن تمحى من  دفاتر ذاكرة  " فيصل " أبدا .. انتهت بانتحار " الرب الأسري/ العائلي  " لعائلة  المداحي . لقد أحس فيصل بأوجاع "محجوب" والده و محبوبه وصديقة ومَعْبوده.. وقرر أن يَتَبـــنّى والده  عاطفيا . " محجوب " الذي اضطرت أمه بفعل الفقر والفاقة بعد حياة الثراء والوجاهة والجاه  إلى طرده هو وإخْوته  من الأفق العائلي والحاضنة العاطفية  وهو أصغر اخوته " قريد عش العائلة "  الجريحة الـمُفَقّرة بعد رفاه ورهافة الحياة وطيب العيش . لم تغب من  ذاكرة محجوب المداحي الموشومة بأوجاع كلمات أمّه وهي تلقي به خارج الفردوس الأمومي مع اخوته  هو الطفل الذي لم يكد يبلع من العمر 12سنة :" اخرجوا لا أريد أن أراكم أبدا ...". يقول هو الابن الجريح والأب الأكثر جرحا يقول والدّموع هاميّات تسيل على خده .يقول  :" عندما رأيت اخوتي ينهضون الواحد تلو الآخر انحزت الى جهة أمي اعتقادا مني أنها سوف تراعي صغر سني لكنها أخذت في الصراخ مرة أخرى : ماذا اذن ؟ لست بنتا في ما أعلم  . اغرب عني تعلّم لك مهنة .. افعل شيئا . تدبر حياتك بعيدا عني. كن رجلا عوض التمسح بي كما القطة   امش.  هل فهمت بعض ما أقول يا" فيصل" ؟ هل فهمت ما يمكن أن  تسطيع أمّ فعله مع فلذة كبدها ..  لقد غادرت البيت لألحق بإخوتي " , لقد تشرد " اخوة السواحل " في العاصمة التونسية بعد وداع أخير في "باب عليوه " دون موعد لقاء مرة واحدة وإلى الأبد لقد باح محجوب المداحي بحقيقة "جرحة النرجسي"  وسبب "كراهيته للنّساء" وتمجيده للوجاهة والمال واحتقاره للمدرسة و"خريجي المدارس"  هو الثري من أثرياء الصّدفة ( ورَث ورْشة  معلمّه اليهودي للحدادة  الذي كان قد غادر تونس ولم يعد  اثر حرب 1973)  فكان ما كان .الادب يؤرخ للجروح والجراحات النرجسية الفردية / الجماعية ويكتب الوجع الحضاري للأمم ...
3


 أوجاع  الحياة  و"أزمة " البحث عن الإعتراف بالذات ..  جعلت شابا مثل "فيصل المداحي" الفتى الثري/ الفنان الرسام  الوسيم / عاشق لذات الحياة  /الذات الساردة يـرْتكب جريمة قتل " دليلة " زوجة الاب الثالثة التي افْتكّتْ منْه بحيّلها الجهنمية ومكرها "الأنثوي "  وحضور جمالها الأخّاذ الـمـُــفْلــق .. أخذت  " محجوب المداحي" والده الذي تصفُه الذات السّاردة بكل صفات القَداسة وإن إلى حين مُنْعطف سَرْدي حاسَم ..ثم اغتصبته هو جنْسيا فما كان منه إلاّ أن قَتَلها لـحْظة
" عودة وعـــي"  وقتل والــده  بعدها ربما ليمحو الجميع ويمحو  نفسه ذاتها  من الذاكرة
4
 لقد سحق الأب محجوب المداحي ابنه "فيصل" في عمره وحبّه ( هندة) وحريته وهويته  فاعتصب منه اُلإبن حق الحياة أصلا بالذات  فكان نصيبه السّجن ... والسيدة "الثورة التونسية" المُنقَض عليها من "المَجْهول السّلفي " هي التي حررت هذا " القاتل " باسم " الثأر الشّخصي " والنرجسية الجريحة .. ليصبح إرهاببا يستعد ليقتل "باسم الله" بعد أن تم " تجنيده " في السّجن بالذات  ...يقوده شعور عدمي بمحو الخلق والخلائق  و الـمَخْلوفات "الكافرة " التي لا ترى فيه غير مجرم ... و" فأر حبس " وفارا من السجن ومرتكب "زنا المحارم "( نائك زوجة أبيه من كان معبوده ونصف الربّ اللإهي عنده ..  لا بد له أن يمارس "العنف المقدس " ليَجُب ّ/ و يَمْحو به كل تاريخه "المُدنس" بالشّهقات والشّهوات الحيوانية / "البستيالية" .. حتى يُعْطى لحياتــه مَعني بعد أن كان اسْفنج حَانات في أرْهف "النزّل" و"الباَرات التونسية" التي تَعْرف سيلان سُيولته الجيبية المالية وسيلان دموعة لشعوره المرير المر باليتم العاطفي
5 
ما ذا يمكن أن يحْصل حين يجتمع الجهل والضّغينَة والمَالُ؟ 
وأي مصير ينتظر "الأجيال" التي يتحكم في مصيرها من يمكن لي تسميتهم " أثرياء الصّدفة" كما محجوب المداحي " وقناصة الغنائم باسم كلمات السّماء.."المقدسة"
6 
رواية " غضب الأيام " مكتوبة بألـق حبري رهيف وبوجع ذاكرة مُتَلْعثـَمة عَاطفيا يشتبك فيها  الحب المفرط... لتأكيد الذات  وللذات الحياة  بالتبرم من الموجود والوجود   . شعور يعود جينيالوجيا  لمتواليات ' الخيانات والخيْبات  القاتلة في مجتمع تونسي حديث الاستقلال لم يميز بما يكفي بين  "نظام  الغايات " لتَسيير الحياة وفوضى الوسائل الـمُتوخّاة .   وتيســـيرها
7
يا للوجع ..كم تُقْتُل الحياة بيننا .. بين "الأحْياء الأمْوات" وكم يـُحْيي الأدب ويُشْفي.وإن ْهو يـُربك الخلوّي منا..
فشكرا للسيد الروائي التونسي  محمد بوعمود على هذه الرائعة الحِبريّة  شخصا ونصّا في انتظار الجزء الثاني ..من رواية " غضب الأيام " التي كُتبت _ مرة أخرى _ بالحبر القاني وبجمالية عاليّة ورشَاقة سَرْديّة ضِد جميع أشْكال اغْتصاب الحياة وجمال ورود حدائق الحياة.. كتبت رواية " غضب الأيام "  ضدّ الموت الاعْتباطي والطّرد الإعتباطي التعسفي  من الحياة   كتابة صريحة وجارحة وجريحة ضد الوجاهات الزائفة  والخيانات المعُلبة" بأسمى القيم " : خيانة "الوطن " وخيانة " وصايا الله "  تحية جمالية  من السيد الكاتب الحر لوطن الحياة .
8
" فيصل المداحي" ... تألمت أيّـما ألـمٍ  لألـمهِ  وإنْ أنا نزفتُ لكل هذه الأسرة الساحلية انموذج العائلة التونسية التي شتتها الأيام والسنوات الكبيسة فقد نـَزَفْت لنزيف والده "محجوب المداحي" أيضا  لأني عشتُ شخصيا  تجربه "الطرد من الفردوس الأمُومي" في عمره تماما   ...  لذلك أحَسَسْتُ به أكثر مما فهَمْته   ربـما . "فيصل المداحي"  فعلا أحَببته ... وافترقنا دُون مَوعد لقاء .. علّه يجالسني الآن .. ويرْتدي معي ثيابي ويُبادلني قَهْوتي وكتبي .. علّه يَسْكن بين لحمي وعِظامي .. أو علّه هو من يدفع ثمن غرفتي في "نزل فيكتوريا الكبير " في سرة العاصمة التونسية ( الغرفة 15). المكان الذي أجهزت فيه على " حكايته و روايته " على صوت جاك برال وأغنيته : " أنْ تـَرى صديقا يبكي"
9
رواية " غضب الأيام " تذكّرنا بمدى هَشاشة الحياة ... وأنّ كلّ الممْكنات مُـمْكنة في حياة البشر : لأنّهم بشر بقلوب تخفق .. وأعين تدمـع . آه كم من قلوب نسيتْ أن تخْفق وكم أعْينٍ نسيتْ أنْ تَدمع ..فأسْعفها الحِبر  بالخفقان والدّمع بالهـَـمْــي.قد تَلْعب "الصدفة" :صُدفة الحِبر أوْ القدر ما تَلعب    في الحدث الروائي ... بل أنّ
" الصّدْفة أكبر روائي في العالم " على رأي (هُونوري دي بالزاك) في رائعته
" الكوميديا البشريّة " ..."كوميديون" ... نحن في " نظام الفوضى الأسرية   الخنّاقة" " كوميديون "   في الحبّ ... كما في  "السيّاسة" و"الكتابة " و"الحرب" و"الموت" كوميديون " في  تشييع " الجنازات " ...  ولا الموت ذاته عندنا تسْقط معه  الأقْنعة .. 
10
لا حياد في   الأدب .. كما في الحبّ و الحَرْب .. ولسْت مُـحايدا . أعجبتني الرواية وكفى... ومن أعجبته فقد أعجبته ...ومن لم تُعجبه فهي لم تـُكتب له ... وإنما كتبت  لسواه . لو تحوّل هذه الرواية من المقروء .. الى "السينما " قد تكون غنيمة من غنائم  جِنان الصّوّر .. وتلك حكاية أخرى .  
 للدّمع حِكْمته يا " دُمية القَصْر ".
11
ما أبلغ هذه الفكرة الرّشيقة والشّائِقَـة   حولْ العلاَقَة المعقدة والمتشابكة والـمُربِكَة  
 بين " الرّواية "  و" التاريخ " لريمون غونكور :"فالتاريخ إنـما هو "الرّوايـة" التي كانت قد حَدثْ ... و "الرّوايـة" إنما هي التّاريخ الذي كانَ يُـمْكِن أنْ يـَحْدُثُ .."
الأدب الجدير بالبَقاء في الوِجْدان وخَلايا الذاكرة هو ذلك الذي يذّكرنا بوجع الخسارات " والخسارة الحقيقيّة  التي لا يـُمْكن تَداركها إنما هي الخَسارة الرّغبات " وفق عبارة " ايتيان بيفار دي سيننكور
« La perte vraiment irréparable est celle des désirs ».
أيتها الأرواح "المهزومة" في الحب ... كم تكتبين من نصوص جميلة هي "حِيلَةُ الأدب " الجميلة "  وحِلْيــَتُة "...  ماذا كنت سأفعل بحياتي لولا الكتابة والدّمع الحبري للكاتبَات والكتّاب  ... وما اجْترح الفنّانون والفنّانات و الشّواعر والشّعراء . ؟




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث