mercredi 24 juin 2015

"يَتِيمُ اُلْدّهْر" اُلْتّونِسي حَسّونَة اُلْـمُصْبَاحِي يُبايُــعُ اُلْوَطَنَ..


  "يَتِيمُ اُلْدّهْر" اُلْتّونِسي حَسّونَة اُلْـمُصْبَاحِي  يُبايُــعُ اُلْوَطَنَ..
 و يَـرْفَعُ بـِروايتِه
" أشْواك ويَاسَمين " اُلْـحِبر   عاليا نحْو اُلْسّرْديّـةِ  اُلْكَوْنيّةِ..
.....

سليم دولة / تونس


......
اشارة :" اُلْسّجلاط "  هي التّسميّة الأُخْرى لليَاسمين في اللسان العربي المبين .

1
وجَدْتـُني  أمَامَ  "سِرادَةٍ " من " اُلْسِّرادات  الكُبْري". روايةٌ مُـجْتَـرَحَةٌ  هيّ مِنَ الخَلايا..  مَكْتُوبَةٌ من القَلْب اُلْــنّازف شَوقا" للحُبّ الغَائِبِ"  و"العَدْلِ الـمائل"  و"الحرية الجريحة" وجَمال الحياة المنْشودِ المهدد بالغُبَارِ والشر الأشْعْث.. . بـِأَلــق حِبري حُرّ شَائِق  كُتِبتْ هذه الرّواية الرّوعة  ضدّ  الـمُتجهّم الجَحيمي والعَابس الملينخُولي السوداوي  والمستبد السياسي  الملقح ضَدّ  الرّهافة  والجمال.. مطلق الجمال  والتّعَاقد العاطفي للعيْش السّويِ سَويا  والتّواصي "بالسّعادة". رواية مكتوبة من شغاف شرايين الأوْجاع وإنْ هي تحتفل ببَعْض المسّرات الـمُختلسة منْ الزّمن القهّار القَاهر الخَائب  كما كل " الروايات الكبري في العالم تَنْبع  رواية " أشواك ويسامين " لحسونة المصباحي من القلب "  وفْق عِبارة لفُروانسوا مورياك ... بقطع النظر عَنْ  "جنس الرواية " وبتَصرّفٍ لطيفٍ في موقف  العظيم " نوفاليس" يـَحُقّ لي القَوْل معه" انّ الرواية في الأدَبِ تُقابل تاريخ المرض في الطبّ " هذا المتن الروائي "أشواك وياسمين " تَــكْتب بمشرط الطبيب العارف  تاريخ أمراضنا والأدواء التي اكْتسحت ولا تزال أرْواحنا وأجسادنا وبقيتْ دون أدْوية نافعة ناجعة...علّ الأدب العظيم  يُشْفي من "أعْطاب السّياسَةِ   " فيكون بمثابة " إغاثة الأمّة بكشف الغمة" وفق عبارة لتلميذ ابن خلدون تقي الدين المقريزي
         
2
لقد انهيت منذ حين  قراءة  رواية الكاتب التّونسي ( يتيم الدّهر ) حسونة
 المصباحي والموسومة بعوان " أشواك وياسمين " عنوانٌ  يضَعُني ويضع ذاكرتي القرائية تَطير سريعا  لتحُطّ عند الجغرافيات  الحبرية 
  لأدب " العواصم والواصم "  و" المحاسن والأضداد " و" المحاسن والمساوئ " بـرصْدٍ حَاذِقٍ ومَاهر في نسج وتطريز  عزيز لتّفيْصلات  الحياة وما يلفها من  المفارقات التي يتأسس عليها الوضع الإنساني و الشأن البشري العام .
" أشواك وياسمين " رواية ذهبتْ بي في حٍلّـها وتِرحالاتها العَذْبِة والمعذّبة الى أصقاع قصيّة تاريخ جرحنا الجماعي العام مشرقا ومغربا وجغرافيا  آلامنا  المستدامة ..  أعاشتني الرواية  بحميمية نادرة مع شخوص وشخصيات من سلالتي  ومن سلالات أخري  أعاشتني حيات الآخرين  من سلالتي  كما لوكنت حيّا بين شخوص وشخصيات هذة "الملحمة السردية "   فعدت من أزْمنَة هذه " السّرادة " و أمْكنتها ... مضرجا بدماء "ضحايا المستبدين"  ووقائع خراب المدن و العمران " طوال تاريخ الوطن الممد من الزّمن القديم  الرّهيب الى الحاضر العليل  وترسخت عندي قناعة كنتُ قد عبّرتُ عنها في سياق آخر وهو أن "الأدب العظيم"  هو تجربة ذات فريدة  ...  تحركة رغبة سريّـة   لا يُـمْكِن لي  تَسْميتها غير " شَهْوة الطّيران " و هَاهيّ خاتمة الرواية    تثبت هذا " الحكم الجمالي "  ففي الأدب الكوني الخالد لا معنى لحكميْ "الصّدق" و"الكذب" بالمعني  الأخلاقوي "  وقد كان كروتشي الاطالي وأمثاله من النابهين والمنبهين لحقيقة قارّة الفن والأدب  والأداء الجمالي عموما  قد حَسَموا الأمر مرّة واحدةً والى الأبد عندي على أقل تقدير. تقول الذات الرواية:    "غادرني غسّان( ابن أخ الكاتب ) عائدا إلى سان فرانسيسكو ، فشعرتُ بوحشة تلُفّ شِغَاف القلب والرّوح . تـركْـتُ " فيلاّ أورورا " ، ونزلتُ الهَضبة . شاطئ الباسيفيكي يكادُ يـَكون فارغا . مشيتُ بَين الطّيور البحريّة فلم تفْزع هاربَة منّي مثلما اعْتادَت أنْ تَفعل أثْناء جولاتي السّابقة ، بل تركتني أمرّ بينها وكأننّي واحدٌ منها . لعلّها باتَتْ تَعْتَقِدُ أنّني كنتُ طائرا ذات يوم ، ثم مُسِختُ لأتحوّل إلى حيوانٍ غريبٍ بقوائِـمَ غليظةٍ ، وبرأس كبير قليل الرّيش ، وبمنقارٍ من لحم تخْــترقه مَغارتنان سوداوان ، وبجناحيْن يتَدلّيان مثل عَموديْن على يميني ، وعلى يساري ، ويجْذبانني إلى الأسْفل دائما ليحْرماني من .. الطّيرانّ  "(ص400)  .
3
" أشواك وياسمين " رواية" الذات الكاتبة"  في حالات" الحب " و"التّعَب" من السّلالة  و تؤرخ لأسباب " المحن والتّعب "    من عودة المكبوت الإستبدادي في شكله السياسي والديني واُسْتنطاق نقدي رهيف لـــمآل " ثورة الياسامين "..
      وثوارها " الحالمين "  ..و" الحالمين المنكسرين ...سؤال " ربيـــع العَرب " الذي اسْتحال الى "خريف غَضب " في" أمة جُنّتْ فُصولها ". ما يعنيني حين هذا الحين التأكيد على أنّ   الفواجع والمواجِع ...التي تَعْصِفُ بالوطن  وبالعالم  الآن  ربما هي التي جَعلت "الذات الكاتبة " تُطمئن ذاتها قبْل سِواها  و مـُخاطبيها في الوطن لحظة هشاشة انسانية صادقة  وفق بلاغٍ  وبلاغة عاطفية  رائعة  . بلاغ هو بمثابة ما يمكن لي تسميته  "العقد القرائي "مع قرائي الرواية. فماهو مضمون هذا العقد
 الصّريح الواضح الفصيح والجارح  ؟ انه عَقْد / عُروة وثْقى / عهْد  " الـمُبايعة على الحبّ " والوفاء للتراب و"النّشيد الوطني" وفق نبرة يشِفُّ معها القلب فيرقّ فيَذوبُ ... وهو أيضا  بمثابة استراتيجيا في التنبيه النّبيه إلي أنّ ما سَيرِدُ في هذه "السِّرادَة" الموُجِعة قد كتُب بحبّ مَوجُوع لهذه البلاد التي شرّدت "الذات الكاتبة" ذاتـها  وأجَاعتها في مُدنها وأذلّــتها في قراها  إلي حين اختيارها " المنفى الإختاري "   وإنْ بكثير من المتُعة  قد كتبت الوجَع و الغَضَبِ  كذلك وأيضا .أنا لاَ أخجل من دُموعي قارئا وكاتبا  : لقد أبكاني أخر آخر الليل هذا البلاغ العاطفي لتونس القلب والبوصلة العاطفية  وأنا أتقلب مع تقليب صفحات" أشواك وياسمين "  لحسنونة المصباحي  صاحب "هلوسات ترشيش "  ورائعة "  حكاية جنون ابنة عمي هنيّة". " وداعا روزالي "  ." الآخرون " "نوارة الدفّلى " " رماد الحياة "  يتيم الدّهر" ... . يقول بلاغ البوح العاطفي الجريح الذي ورد في شكل أستهلال أول (صص 7/8 ) :
"إلى أيّ مَكانٍ أذهبُ .. شَرْقًا أمْ غَربا ، شمالا أمْ جنوبا ، أحْمل بلادي معي .
أحْملها بكلّ ما فيها من جميل ومن قبيح ،
من قديم ومن حديث ،
من أصيل ومن زائف ،
 من سحريّ ومن منفّر ،
 من عجائبيّ
ومن عاديّ
 وسطحيّ
 ومبتذل
ورخيص ...
أحْملها معي بكلامها العَذْب الّلطيف وبكلامها الوقح البَذيء ، بكلّ ما فيها من حُلو ومنْ مرّ، ومن مُبهج ومن مُحزن ...
أحْملها معي بطيّبيها وبأشرارها ،
 بشريفاتها وعاهراتها ،
 بجميلاتها ودميماتها ، بكبارها وصغارها ، بمنْ يدبّ وَهنا باتجاه القبر .. وحتى الذي فتّح عينيه للتوّ على نور الحياة ...
أحملها معي بصحرائها العارية وبشواطئها البديعة ،
بجبالها الغليظة الجرداء وبواحاتها وغاباتها السّاحرة الخضراء ،
 بقرطاجها وقيروانها وتَرشيشها وسبيطلتها ...
أحملها معي بخيراتها السّبع :
لوْز وتين ورمّان وبرتقال وعِنَب وليمون وزيتون يشعّ زيته كأنه قنديل رومانيّ قديم ...
أحْملها معي بزعْترها وإكليلها وصنوْبرها وعَرْعارها وضَرْوها وفلّها وياسمينها وشوْك صُّبارها وعطور أزهارها البرّية في جبال خمير ، والكاف ، والوطن القبلي ، وبرقو ، وتطاوين ، وقفصة ...
أحملها معي بكلّ أفْراحها وأتراحها ، بحسناتها ومساوئها ، بكلّ الحضارات والثقافات التي تعاقبت عليها ، وبكل الأجناس التي اسْتوطنتها وعَبرتها ...
أحملها معي ببيوتها البيضاء وبأبوابها الّزرقاء وأكْواخها الحقيرة ، وخرائبها ، وأطْلالها ، وأحيائها الشعبية الوسخة ، وأغانيها الحَزينة والسّعيدة ...
أينما ولّيت وجهي هي تسكنني أنا الذي عشْت بعيدا عنها الشطّر الأكبر من حياتي . وكلما ازْدَدْت بُعْدا عنْها ازْدَدْت اقْترابا منْها وغوْصا في أعماق رُوحها ...
عنـْها وإلـــيها هذا الكتاب !. "
ما أبلغ هذا البلاغ الحبري العاطفي ... علّه كان زادي الوحيد في الرحلة السردية الشّاقة والشيقة . هي شاقّة  حد الضرب في اللحم الحي يربك العظم السلالي حين يستحضر مثلا "خراب القيروان "...  مع " صاحب الحمار " والعذابات  التاريخية" لقفصة " و"المهدية " مثلا    والتأريخ للجرح الذي يكاد يكون أبديا  في خاصرة البلاد التونسية    وشيّقة هي الرحلة  حينما يطير بذاكرتي العاطفية بعيدا بما كان قد دونه في دفتره وهو في القطار من " ميونخ الى كولونيا " ... دوّن السيد الروائي / الشاعر / الميلوماني الشغوف بالموسيقي والسنيما  والمسرح  وفنون الرسم :
" لكأن وقع خطواتها وهي تتقدم مني في صمت الغرفة
مُداعبات ناعِمة تخفّف عنّي وطأة الحُزن والتّعب
لكأنها حين تتعرّى في العتمة قمر مكتمل يـَرْجف
خلف سحب خفيفةٍ
لكأنها حين تنْفرج شفتاها للقبلة الأولى واحة
تستقبل فجرا
مجنونا يأبى الرّحيل
لكأنها حين تنشر خصلات شعرها حديقة من
لهب .
لكأنها حين تلتحم بي وألتحم بها جزيرة مجهولة لم يكتشفها
أحد قبلي
لكأنها حين تحْتدم اللذة سفينة نوح ترفعني الى أعلى عليين
لتنجيني من طوفان نوح
....."
4
غايتي الوحيدة  من هذة "  الإشارات و التّنبيهات "  البسيطة:
1 ضرورة مقاربتها من أفق ما أطلق عليه كلود لفي ستروس في شأن " الإسطورة " الأفق " الأركسترالي" . أقصد أن قراءة "أركستراليّة" لهذه السِّرادة / الرواية الـمُذْهلة "أشواك وياسمين "  ضرورية  لأنها هي وحدها _ ربما _ التي بإمكانها أن توفر لنا شروط امكان " المعرفة والمتعة " _ في الرّواية مَعارفٌ ومتُع وأوْجاعُ _  دون تقطيع " أكاديمي " مِشرطي لأوصال النسيج النصي واندفاعاته الايقاعية _ لا تتم الذائقة الموسيقية الأركسترالية إلا بسماع " الكل الموسيقي في هرمونيته الشاملة  " وكذا  الأمر بالنسبة 
" للسّرديات الكُبرى "  كما هذه الرواية أقصد رواية /
  "سِرادة " أشواك وياسمين "  لافَصل بين " تيـماتها  / مواضيعها الكبرى و"مُتونها الضعري" وحواشيها .   .
2  ان يَتِيمُ اُلْدّهْر" اُلْتّونِسي حَسّونَة اُلْـمُصْبَاحِي  يُبايُــعُ اُلْوَطَنَ.. حبرا وحبّا دون مزايدات نضالية   و يَـرْفَعُ بـِروايتِه " أشْواك ويَاسَمين " اُلْـحِبر   عاليا نحْو اُلْسّرْديّـةِ  اُلْكَوْنيّةِ.سلام ووردة الى حين عودة إلى هذه الغنيمة الحبرية " من "غنائم الثورة التونسية" .كم أنا محظوظ بأن وقعت بين أناملي هذه " اليتيمة " وإن كان" الخظ  أكبر الروائيين في العالم وليكون هذا الخطّ   مفيدا يتوجّب علينا حسن اقتناصة بالدراسة  " وفق عبارة هنوري دي بالزاك في " الكوميديا البشرية " . سلاما ... سلاما ووردة زمن "لا محنة" حين "بُلَهْنِيَّةٍ العيشِ" ورهَافة جُود عاطفي في هذا الوجود احتفالا بالحياة .
يعنيني _أخير _ أنْ أدّون بالـمِداد اُلحرّ أنه:
من الصدف الغريبة في الأدب المعاصر أن مترجم رواية
" العمى" رائعة البرتغالي خوسيه سارماغو الى الأنجليزية جيوفاني بورنيرو قد أصيب بالعمى بعد الإنتهاء من ترجمة الرواية ...  ولأسباب أخرى قد لا تكون لها علاقة بالأدب 
  وانما بسوء " أدب المرض " مع الأجساد البشرية  الطريّــة والــمُطَرّيـة... فأنا وإنْ رضيتُ من الورد الوطني "بالأشواك"  التي حفر فيها  بعيدا السيد" يتيم الدّهر التونسي " حسونة المصباحيي في  " هذه الأشواك والياسمين "   فقد كانت تترد
  في أعماق جُرح رُوحي لازِمَة أبي الطيب المتنبي " شهيد دير العًقُول " _ مَكان اغتياله _ كما يحْلو لي شخصيا تسميته .. لازِمَةٌ هي عزيرة على قلبي وهي :
" تَكسّرتْ النّصال على النّصال  فلم يعني لي "الشوك" ولا
   الشوق شيئا "  .. أما " حصتي من " الياسمين "  
  وطِيوب الياسمين " فلتذهب حصتي تلك ...  الى " شهيدات وشهداء ثورة الياسمين" التسمية " السياحية "للحدث التّونسي" . آه الياسمين . ما أمْكر وألــذ " اللّسان العربي المبين " حين منَحني شخصيا تسمية أخرى   "شوكية" تماما  للتّسمية النّاعمة لذلك " المعْشَوشب  الإصطناعي " وهي
 " كلمة " السّجلاّط "  الأكثر تَطابقا مع وقائع ... وواقع  الحال والأحْوال  من " تسمية "اليسامين" المباركة تلك . اُلاكيد أن هذه " السّرادة" / الرواية .. من أكبر " الكبائر"  الحبرية ... التونسية والعالمية  الرائعة. وهي عالمية أساسا لأنها
 تونسية  و كفــي . وداعا أيها "اليَسامِينيون واليَسامِينيات"
    وإلي لقَاء مُـمْكن أيـها "السّجلاطيون" 
و" السّجِلاّطِياتْ " .لقد استنفدَ السّيد الياسمين ثورته . أليس كذلك ..؟ ثمة في رواية " أشواك ويسامين " أكثر من رواية ... لذلك أطلقت عليها تسمية " السّرادة " .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث