jeudi 20 juin 2013

أخلاق تدبير اللذّات: "السعادة الإنسانية والرئاسة الحقيقية"


أخلاق تدبير اللذّات:
"السعادة الإنسانية والرئاسة الحقيقية"



   
"شذرات من المتن"

-1-
"المجد لواهب العقل دائما".
-2-
"عيوب الملوك أبدا خفيّة عنهم".
-3-
"إنّ عظيم الهمّة تصغر في عينيه كل رذيلة وتحسن له كل فضيلة".
-4-
"إذا ضبط الإنسان نفسه الغضبيّة، وانقاد لنفسه العاقلة صار الناس كلهم له إخوانا وأحبابا. وإذا أعمل الإنسان فكره رأى أن ذلك واجب".
-5-
"فإن الإنسان مضروب بأنواع النقص
مستول عليه وعلى طبعه ضروب الشر".
-6-
إذا حاسب الإنسان نفسه وأجال فكره وتمييزه علم أن الضرر في مساوئ الأخلاق أكثر من النفع بها".
-7-
"فما أحسن الصبر إذا عدمت الحيلة، وما أقبح الجزع إذا لم يكن مفيدا".
-8-
"العشق من الأخلاق الرديئة وهو إفراط الحب والسّرف فيه. وهذا الخلق مكروه على جميع الأحوال إلاّ أن أقبحه وأشرّه ما كان مصروفا إلى طلب اللذّة واتّباع الشهوة الرديئة. وقد يحمل هذا الخلق صاحبه على الفجور وارتكاب الفواحش وكثرة التبذّل وقلة الحياء (...) وهو بكل أحد قبيح، إلاّ انه بالأحداث والمترفين والمتنعمين أقلّ قبحا".
-9-
"الغالب على طبيعة الإنسان الشرّ".


-10-
"من وثب على الناس وثبوا عليه، ومن أقدم عليهم أقدموا عليه (...) ومن تشرّر عليهم قصدوه بالشرّ".
-11-
"وقد يكتسب أكثر الناس العادات وجميع الأخلاق جميلها وقبيحها اكتسابا. وذلك يكون بحسب منشأ الإنسان وأخلاق من يحيط به ويشاهده ومن يقرب منه، وبحسب رؤساء وقته".
-12-
"ليس يصلح للملوك التخلّق بسلامة النيّة دائما ولا يتمّ الملك إلاّ باستعمال المكر والحيل والاغتيال مع الأعداء".

-1-
يمكن اعتبار المسألة الأخلاقية La question morale وشأن تدبير الأهواء والانفعالات والاقتصاديات الليبديّة من أكثر المسائل التي شغلت – ولا تزال- الذوات المفكّرة منذ أخذ "الحيوان العاقل" و "الرامز" يتدبّر أمر حياته. لذلك ربما أمكنني القول إن الفلسفات الكبرى جميعها، تماما كما الديانات المتعددة بمختلف تلويناتها وضروب طقوسها وتمثّلها للزمن... إنما هي محاولات tentatives وتمريناتexercices  لتصريف عنف الرغبات وشراستها.
إذا كان نيتشه قد اعتبر أن "الفلسفات المختلفة إنّما هي تأويلات مختلفة للجسد" بإمكاني القول بلا حذر إنّ كلّ ما يسمّى "برؤى العالم" Les visions du monde (الفنّ- الدين- الفلسفة- السياسة) إنّما هي بصيغ متباينة وأحيانا متقاطعة إجراءات وتدابير وفنون واحتياطات للتصريف "الحاذق" اللّذات والآلام لتعقّل أمر الأحلام والأوهام، وأنّها جميعها بكلمة واحدة تقنيات وفنون لسياسة الحياة والممات، فهي اقتصاديات "ليبديّة" بالمعنى الفرويدي للكلمة لا غير. مع العلم أنّ كلمة libido تعني في اللغة اللاتينية "أنا أرغب".
-2-
القضيّة بل المعضلة الأخلاقية تتسم براهنية واضحة تكاد تذهب بالبصر، في الزّمن الحضاري الذي نعيش. ذلك أنّ الشّأن الأخلاقي والأحكام الأخلاقية والتدخّل الأخلاقي  L’intervention morale  يجد مبرّر وجوده زمن الأزمات. الفلسفات تماما كما الديانات والإيديولوجيات الكبرى إنّما هي سليلة الانقطاعات والمنعطفات الحضارية Tournants et ruptures التي تعتري سير التداول البشري والتبادل البشري والتعاقد البشري في هذا المجال أو ذاك، كما يمكن أن تكون هذه الأزمات قطاعية أو جزئية عرضية أو بنيوية هيكلية. غير أنّ الفلسفة وخاصّة النسقيّة تعنى "بالشأن الكلّي" "للإنسان الكلي"... تسعى إلى تعقّل هذا الحدث أو تلك الواقعة من أفق نظري يريد أن يجعل "العقل" إنّما هو المسند والمرجع و"محك النظر" و"القسطاس المستقيم" الذي به نحكم على "نظام الأشياء" L’ordre des choses وانتظام الانفعالات والأهواء. 
لقد أذركت الفلسفات الكبرى كما الدّيانات أن الإنسان أكثر الكائنات عرضة للعطب إن على مستوى الوعي أو الجسد، إن على مستوى الرغبة أو المقدرة Le désir et le pouvoir، ذلك أنّه كائن المفارقات والهشاشات بامتياز، كائن ترعبه الثقب والفراغات!.
-3-
إذا كان صاحب كتاب "استعمال اللذّات" وكتاب "الإنهمام بالذّات" وكتاب "المراقبة والمعاقبة"، ميشال فوكو، قد اعتبر بعد الفيلسوف الشاعر نيتشه، أن المهمّة الرئيسية للفلسفة إنّما تتمثل في "تشخيص الحاضر"، فإنّ مجرّد إلقاء نظرة نافذة على الأفق الحضاري الذي نعيش يتبيّن لنا أننا نعيش في "محيط عاصف" تمّ فيه التغلغل في استنطاق واقتحام اللاّمتناهي في الكبر كسمولوجيا (غزو الأجرام والكواكب والكويكبات) تماما كما تمّ اقتحام اللامتناهي في الضغر ذريّا، إذ أبدت الذرّات الاستسلام الكلّي "لإرادة المعرفة" للإنسان الفيزيائي المخبريّ التكنولوجي العلمي، كما اقتحم مهندس الوراثة الكتاب الصّبغي واستسلمت الشّفرات الوراثية لإرادة الاقتحام الطبية وفتحت القلاع الثقافية والحصون الحضارية أمام إرادة السيطرة السياسية المدجّجة بأخطر التكنولوجيات العسكرية والرقمية الحربية. فلم يعد المستغلق القديم الصّامد السحريّ والخرافي غير مستسلم جديد لإرادة المعرفة.
-4-
إنّ النجاحـات على مستوى العــلوم الدقيـقة     Les sciences exactes لم ترافقها انتصارات مطابقة على مستوى الإنسانيات والفلسفات، إذ بقي ثمّة شيء ما، متمرّد ما يربك "إرادة المعرفة" ويتمثّل هذا المتوحّش الذي عجزت الذوات العارفة عن ترويض شراسته إلى حدّ الآن، في المعنى Le sens . إنّه فعلا المعنى، معنى أن نعيش، معنى أن نحبّ، معنى أن نحارب، معنى "القشعريرة والألم"، معنى أفعالنا، نهاريّها وليليّها، هوية الغروبيّ فينا، والفجريّ لدينا، وباختصار التساؤل عن معنى المعنى، ذلك الذي يقترن تلازما بفقدان اليقين.
-5-
... ومن هنا يكون مدار فلسفة الأخلاق معضلة "الخير" و"الشر" Le bien et le mal ومن هنا نفهم راهنيّة الفلسفة عموما والتفلسف بما هو استعمال نقديّ للعقل بمعزل عن جميع سلط التعالي وفقا للميراث الكانطيّ.
وفلسفة الأخلاق والسياسة التي تستمدّ شرعيتها وصلاحيتها من الوضع المأزقي بالمعنى الإشكالي لكلمة المأزق. حتّى تلك الفلسفات التي تبدو لنا قديمة أو كلاسيكية أو لا راهنيّة، تبدو لنا راهنيّتها الأكيدة. وهو ما يبرّر الدعوة الملحّة لقراءة رسالة الحكيم التكريتي العراقي "يحي بن عدي" الآتية من القرن الثالث الهجري/ التاسع ميلادي، كمحاولة منه لتشخيص الأدواء (جمع داء) التي يمكن أن تحفّ وأن تعصف بالكائن الإنسيّ، مقدّما الأدوية الممكنة لدفع العداوات والأحزان من أجل تحقيق هدف عقليّ محدّد يتمثّل في ما يمكن لي تسميته: "تأسيس أخلاق تدبير اللّذات وحيازة السعادات" من أفق فكريّ استوعب رسائل ووصايا "الفلاسفة الأوّل" (أفلاطون- أرسطو- أبيقور... الحكماء والزهّاد) بعيدا عن التعصب والانغلاق في اتّجاه تحقيق المحلوم به فلسفيّا: نشر حكمة المحبة بين البشر.
فأيّ مطلب أكثر راهنية من هذا المطلب الفلسفيّ الذي يصوغه الحكيم التكريتي العراقي يحي بن عدي وفق البلاغ التالي وهو ما يمكن أن يكون حكمة تنقش على أبواب وبوّابات عواصم الكون المتقلّب:
"الناس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانية وحلية القوّة الإلهية التي هي في جميعهم وفي كل واحد منهم، وهي النفس العاقلة. وبهذه النفس صار الإنسان إنسانا (...) وهي جوهر واحد وبالأشخاص كثيرون، وإذا كانت نفوسهم واحدة والمودّة إنّما تكون بالنفس العاقلة فواجب أن يكونوا كلّهم متحابّين، متوادّين، وذلك في الناس طبيعة، لو لم تقدهم النفس الغضبيّة، فإنّ هذه النفس تحبّب لصاحبها التروّس (...) والتسلّط على المستضعف واستصغار الفقير... فإذا ضبط الإنسان نفسه الغضبيّة، وانقاد لنفسه العاقلة صار الناس كلّهم له إخوانا وأحبابا، وإذا أعمل الإنسان فكره رأى أن ذلك واجب..."
-6-
إنّها رسالة الحكيم التكريتي العراقي للدفاع – في زمن المحنة- عن شجرة أخلاق الفتوّة (الأخلاق الحسنة) ضد بذور بذرة شجرة البرابرة الجدد، أخلاق الرذيلة والتسفّه القاتلة:
أخلاق العفّة ضد الفجور،
والقناعة ضد الشّره،
والحلم ضدّ التشرّر،
والرحمة ضدّ القسوة،
والتسامح ضد التعصّب،
والوفاء ضد الغدر،
والصدق ضد الخيانة،
والعدل ضد الجور...
-7-
إننا مازلنا مع يحي بن عدي، الحكيم العراقي التكريتي، بعيدين جدا عن الزمن الذي أمكن لنيتشه الألماني أن نعلن فيه: "ما أطلبه من الفيلسوف (...) أن يتموضع ما وراء "الخير" و"الشر"، أن يكون فوق وهم الحكم الأخلاقي". هكذا ورد في كتاب: "أفول الأصنام".  

-8-
...فأيّ عزاء، للحكيم التكريتي العراقي، أستاذ مسكويه، صاحب كتاب: "تجارب الأمم وتعاقب الهمم" وكتاب: "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق".
كتب في تونس في 13/03/2004.













Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث