رسالة تَطييبِ اُلْنُفُوسِ
مِنَ " اُلْجيلِ اُلْمَنْزُوسِ"
الى اٌلأسْتَاذِ اُلْعَبوسْ
v
" آن التَدْريسَ... صَداقَةٌ "
( ميشلي )
"كَادَ اّلأسْتَاذُ أنْ يُصْيِحَ شيْفُونَا "
أحلام مستغانمي ( ذاكرة الجسد
)
أنا
أنتمي إلى جيل كنتُ قَدْ أطلقتُ عَليْهِ " جيل اُلْمِحْنَة".
جيل ينتمي " الى شعب .. لم يلتَقِطْ أْنْفَاسَهُ علَى أقَلِ
تَقْديرٍ مُنْذُ رُبْع قَرنِ ...وأكْثَر
إذ ْ تَعْتَوِرُه الأحْداثُ
وَ اُلْحوادِثُ اُلْقَوميَةُ وَاُلْوطنيًةُ وَاُلْكَونيًةُ ( كما اُلْجرج اُلْفَلَسِطِينِي _
"مظلمَةُ اُلْقَرْنِ أُلْعِشْرينْ كَمَا كَانَ يَحْلُو لِلزًعِيم بُورقيبَة
أنْ يَقُولَ _ زائدُ الجُرْحِ اُلْلبْنَانِي
زائد الجُرحِ اُلْعِراقِي زائد الجُرْحِ اُلْجَزائري
زائد اُلجُرج
اُلليبي زائد الجُرحِ الدِمَشْقي )...
أحْداثٌ وحَوادثُ هي في مَقَامِ
"
النَّوازِل " اُلْقاصِمة للظَهْر "
مُتَسَارعَةٌ فَلاَ يَكَادُ يَلْتقِط
أنْفاسَه وتَسْتَعيدَ لَديْه اُلْروحُ أرْيحيتَها فينْبسِطُ قَليلاً لِلْحيَاةِ حتًى تنْزلَ عليهِ نَوازِلُ الأيَامِ مَرَّةً أخْرى
بِأوازِمِـــها ..بأنْيابِها اُلْحَادّة
..فتَتَفتّتُ "اُلْذات الإعْتبَاريةُ
للجَمَاعَةِ "..لتَفَـــتُّتِ جُغْرافيات الأمُّةِ إلى أمَــمٍ بِعَودَةِ
اُلْمكْبوت اُلعَصْبَوي الجْهَوي إن مَحليًا
أوْ كَوْنيًا فَتَتَوالَى اُلْهَزائِم واُلانْكِسَاراتُ
اُلْمَكْرورَةُ مَع كَرّ الأيَام فِي زمَن
" تَسْريع اُلتَاريخِ" واُلتَربُّص
بِالجُغْرافِياتِ الغَافِلَة ويَسْقط
حُلْم
" الخَلاَصَ الجَمَاعِي " وحَديثٌ " اُلفْرْقَة النَاجيًة" اذْ
فِي الفِرْقَة اُلْنَاجيَةِ ذاتَها يَعيشُ
كلُ وَاحِدٍ عَلَى وَهْم أنَهُ النَاجِي
الوَحيدِ ... فيَسْعَى كُل فَرْد الى اُلْفَوز
بنَفْسه لنَفْسه وَكلٌ علَى طَريقتِه وانْ اقتْضَى الأمْر عَلَى
حِسابِ الجَماعَة .. ( اُلجِهةِ _ اُلْوطَن و _ الأمُة )
فتسقط ضمن ما يَسقطُ متوالياتُ القيم : وأهمّها على الإطلاق العلمُ والمعرفةُ وقداسةُ
"المدرسة " . .وهنا مَكْمَنُ حزني الشخصي وأسفي الشخصي
على أُمّةِ " اقرأ" ..
و"
القلم وما يسطّرُون " الأمّةُ
اُلْتِي رَفَعتْ وارْتفَعْت بمِدَادِ اُلْعُلماء الى أعْلى مَرْتَبَةٍ مِنْ
مراتب "دِمَاء اُلْشُهداء " .أيُّ
مصيرٍ لأمُّة تهينُ .. وتَمتَهنُ وتُذِلُّ " معلّميها" .. ومعلّماتها
وأساتذتها وأستاذاتها الماسِكات والماسِكين على الجمْرِ لحراسة البوصَلة : وهل ثمّةَ من بوْصَلةٍ حقيقية
غير التي تقدّمُها : المدرسة .
وَطّنتُ
نفسي بالكثير من الجُهْد و المشقّة ..لأ قْطعَ مع تلك العادة التونسية والتونسية جدّا الضّاربةِ بجذورها في الثقافة
العربية حين نُموِّ تدَهورِها .. عادةُ
الشكّائبن البَكَّائين واُلذِينً لاَ يُعْجِبُهم العَجَبُ العُجَابُ ..فلا أريدُ
أن أضيفَ الى قائمة المناحَات الموروثة عن سلفنا البَكًاء مُعْجَمًا
جَديدا في اُلشًكْوى.. لذلك أريد أن أمْزَحَ قليلا
رغم توفُّر كلّ شروط البكاء . علّمتني خالتي الرّاحلة منذ طفولتي .. حين
باغتتني أبكي قرب البئر "بعَمْرَة قَفْصَة
" بكاء مرًّا .. بعْد أن عاد من كان معي من الأطفال الى "الدوار"
وكنت أَخَالُنِي وَحْدي في السانية ..أبْكي
لأن كتاب " جِهادُ اٌلْمُحبين " لجُرجِي زيْدان والذي شرَعْتُ في قراءته سقط في البئر .. فقالت
لي خالتي " البكاء لا يليق بالرّجال " . فكبرتُ دفعةً واحدةً عن البُكاء
.. وانْ خنتُ- مع الأيّام _ وصيّتها مَرّاتٍ ومَرّاتٍ ..وأكثْرهَا مَرارَةً حين قُتِل
أخي "سامي" ذات يوم خبْزِ وطني بِرصَاصٍ "وطنيٍ مُفْرطٌ في وطنيتِه " وتمَّ اجْبارُ الأهْل على دفنه ليلا...
وفي غيابي ... و" حين ترنّحّتْ بغداد "أم البلاد وعين الدنيا "أمام الغزاة .وها إنّي أتدَرَّبُ الآن "فِعليًّا" للتخلِّى عن عادة المضروبين والمضروبات بسِياطِ
الشّكْوى من سوء الحال...
و
الأحوال.. لأنّ الإفْراطَ في الشَكْوى يَمْنَعُ الحُلمَ
المُطابق والعَملَ الجَسُورَ ..ناهيك عن كوْنِهِ مَذلةٌ لاَ تليقُ "بِذوي
النُفوس العَازِمَة" ... أصبَحتُ
أقتنصُ كل مُنَاسبة "للضَّحِك" حتَّى منْ نفْسِيَ حينَ أرْتَكِبُ حَمَاقَةً من
اُلْحَماقاتِ كَأنْ لاَ أجِدَ اُلجوابَ المُنَاسبَ في الوقْت المُناسِب مثَلاً أو
كأن يَطْرحَ علي زَميل أو زميلة في التَدْريس عن رقم القَاعة التي أدَرِّسُ بها فأقول له
" في الصفحة ثلاثة... أو عشرة "
.. لقد وفّرَ لي أحفادُ سقراط وحفيداته
بمعهد بن عروس بتونس العاصمة
مناسبةً طريفةً للضّحكِ .. وإن كانت لا تخْلُو من جُرْعَةِ
حُزن .حين وصلتني منهم بالبريد "رسالة" في شأن واحدٍ من " الزّملاء
" . .و كان ذلك منذ ثلاثة سنوات كما تبيَّنتُ الآنَ من خَتْمِها اُلْبَريدي . . وهي " مكتوب " يمكن
أن يكون وثيقةً في " سوسيولوجيا الإحتجاج
اُلتَّلمَذي الطّريف" وهذا
" مَتْنُ الرسالة "
v
"
أستاذنا العزيز
تَخيَلْ
أنّكَ تَلْميذٌ تَطْلُبُ عِلْمًا .. تُريدُ فَهْمًا ..تَهْدِفُ نَجاحًا وَشُغْلاً ...تَحْمِلُ
في أحْشَائِكَ بُرْكانًا مِنَ اُلأَمَلِ وَاُلْطُموحِ واُلْتَمَنِّي .
فِي
كُلِ صَباحٍ ...تَخيَّلْ :
تَخَيّلْ
أنَّك تذهبُ الى المعهد لأثْرَاءِ زَادِكَ مَعْرِفةً في التّاريخ والفلسفة واللّغات
والعلوم والرياضيات والإقتصاد والتصرّف ...من لدُنِ أستاذٍ يشفي غَلِيلَك علمًا
وأخلاقًا وتواضعًا ببسمَةٍ .
تخيّل
.. تخيّل :
تخيّل
..سيّدي .. أنّك تدْخلُ قِسْمًا به أستاذٌ تَجَبّرَ وبعبارَاتٍ جارحةٍ تلَفَّظَ ..
وبقسوة الأباطِرَة تَصَرّفَ وبدخان سجائرِه تعطَّرَ وبالسُّخْطِ والتّهديد والوعْدِ
والوَعِيد برُسُوبِك في نهاية السّنة تعَهَّدَ وبطرْدك من القسْمِ منذ بداية الحصّة
ولأبْسَطِ الأمُورِ تكَبّرَ .. .
تخيّلْ
... تخيّلْ :
تخيّلْ
تخيّلْ
أنّك في هذا الدّرْس حَشَرةٌ وأنّ كرامتك تُتْرَكُ على عتبة باب القسم أو تُداسُ
ألف مرّة ومرّة وأنّ حقوقكَ وإنسانيتك هَذَيَانٌ نُكَهَتُهُ مُرّة ..
تخيّلْ
,,تخيّلْ ... تخيّلْ
تخيّل
أنّك تُقَاد إلى درس هذا الأستاذ (منَصَّة) مُكْرَها مُجْبَرًا مُسَيّرًا لا مُخَيّرًا ..مُصابًا بالإختناق بضيق التنفّسِ ..بتوتُّر
الأعصاب ..باختلال الحواسِّ ..باستحالة التّفكير والفهمِ والحفظِ وبكراهية العلم
والدّرْس والمدرّسِ المُسَمَّى الأستاذ (مَنَصَّةْ ) .تخيّلْ .. تخيّل .. تخيّل ..
تخيّل
... تخيّل ... تخيّل :
عائلتك
.. أمْنياتُك .. مصيرُك .. طموحُك .. مستقبلك ..الكلُّ سوف :
يتحطّم
.. يتحطّم .. يتحطّم .
تخيّل
:
تخيّل
سيّدي أنّك تحرَّرتَ من قيودك ..من عُقَدك ..من مركّباتك ..من غُرورِك ,,من كبريائك
..من تَعَالِيك على تلامذتك ..من إهاناتك من احْتِقانِك ..من اعتداءاتك على كرامة
الآخرين .. من لذّة حِرْمان التلميذ حقَّ حضورِ حصّة الدّرس كاملةً ..
تخيّل
.. تخيّل
تخيّل
ولو للحظةٍ ..ولو للمحةِ بصَرٍ .. أنّ دَوْرَ الأستاذ هو عطاءٌ ..هو سخاءٌ .. هو
اعتدالٌ ..هو حبٌّ ..هو ترسيخُ المبادئ ..هو تنويرٌ ..هو تأطيرٌ ..هو تأصيلٌ هو
إخلاصٌ .. هوصدقٌ ..هو الأمانةُ هو ضرورةُ كسبِ التّلميذ واستقطابه للرّفع من
مستواه.
تخيّل
:
تخيّل
أنّك تعيشُ قرنًا جديدًا ضمنَ جيلٍ جديدٍ ومبادئَ كونيّة ترنُو الى العدل وحبِّ
الآخَرِ والتّآزُرِ والحريّة والمساواة والديمقراطية وترفضُ القيودَ وتحطّم الحُدودَ.
.عفوا سيّدي .
لا
تُسِىءْ فهمنا وتبصّرْ .نحن بحبِّ المدرّس نؤمنُ .. وعلى احترامه وتقديره نَعْملُ
..وبصدقه وإخلاصه نشهدُ و على كفاءته نُبصِمُ وبعدله نُجْزمُ .
لكن
... تمَهّلْ .. تمهّلْ ... تمهّلْ
باسم
ثورتنا .. بمبادئك النقابيّة .. بحقوق الأنسان ..
و
التلميذ ..
تَفهّمْ
...
نحن
لا نرْغَبُ في صَدقَةٍ ولا أعْدادَ إضافيّةٍ نَطلبُ .
نحن
لا نطلبُ منك جُهْدَ العمالقة حتى تَتْعبْ ,
نحن
لا نطلب منك حَمْلَ وزْرِنا حتّى تغضبْ .
نحن
لا نحمّلك مالا طاقةَ لك به فتُغْلــــــــــــَبْ ...فقط ..فقط
نحن
نطلبُ منك في كل حصّة ... زهرة .
نحن
نطلب منك في كل حصّة بسمة .
نحن
نطلب منك ... في كل حصّة حق الدّراسة دون طرد ولا شتيمة ..
نحن
نطلب منك في كل حصّة .. هدوءا .. سكينة ولا
"
ثورة " ...
وتذكّرْ
.. وتذكّرْ سيدي تذكّرْ
أنّ
من " زرع سوف يحصد " ..ومن علَّمَ الأجيالَ سوف يُخلَّد ..
ومن
أحبَّ بلده وتلاميذه وأحبَّ غيرَه سوف يُذْكر ..
و"
من عانق شوق الحياة " وتفهَّم تَوْقَ هذا الشّباب وهدا الجيل سوف لن يُهْزَمَ
و
لك سيّدي ...ولكلّ أساتذتنا الحبَّ والدّعْم والاخلاص ..
وقلوبنا
لمستقبــــلنا أرْحَبً ..
فتذكّرْ
.."
v
لقد
ارتبكتْ الاوْراقُ بين أصابعي وارتبك منّي
الذي من الجهة اليُسْرى من الصّدر وقلتُ لي لا بُدَّ من
" سقْرطـــــةٍ الفَلْسفة " وتَحريرها
مِنْ أصْحَاب الجُدرانِ : هنا والآن يولدُ حُلْمٌ وتنبتُ وردةٌ .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire