samedi 13 septembre 2014

كأني أعاني من أعْراض سَكْتَةٍ عَاطفيّة مرةً واحدةً والي اُلْأَبَدِ !

أنا المريض التونسي ..
المريض التونسي أنا

كأني أعاني من أعْراض سَكْتَةٍ عَاطفيّة مرةً واحدةً والي اُلْأَبَدِ  !
  

رأيت في ما يرى النائم  في ليلة من شهر من سنة من قرن  من القرون الخوالي
( أنا الآن في اليوم الرابع من الشهر الرابع من الألفية الرابعة )  أن تونس عروسًا قد رأت في المَنَام حِدَأةً  فتذكّرتُ قولا  يقول به أرطاميدورس :
" الحدأة في المنام تدلُّ على اللُّصوص والخَطاّفــين ... " وكلام آخَر لم أعُد أذكره   الآن .  نهضت على عَطَشٍ .

أي فجر هذا ، أية متواليات من الكوابيس ،لماذا رأيتُ كأن كل كتبي أيضا اتخذت  لها شكل   أطيار مختلفة  الأحجام والألوان وبينها "عقاعق"  قد  تجمّعت ثم تفرقت، ثم اتخذت لها  صورة النجمة والهلال...
ثم توقفت عن الطيران   ثم رفرفت   على إيقاع واحد  ثم تشتت  تم تجمعت ثم حطت ... ثم طارت !

وحده كتاب" صورة الأرض" لابن حوقل   إلتزم  مكانه . كيف فتحت كتبي  لها كل النوافذ وقبل الانطلاق الأخير كأنها  وجهت أنظارها إلى  جهتي وجهة  القطط "وردة "وأوراد"  والزبرقان " و"زورو" والشنفرى ... لتقوم بطقوس الوداع !
الوداع الأخير ربما ! أو ربما أرادت أن تُذِّكر القطط بعجزها على الطيران ... أو ربما أرادت أن تذكرني  بأنها ليست مِلكا لي  ! الملكية ... داء الأدواء العُضال لم تشف منه آلهة من قبل ولا أبشار ...
أنا الذي  جعت وتوجعت وأكلت  الخبز اليابس  بالماء  الملوث واقتنيتها... هذه الكتب.
أنا الذي كبتُّ نفسي وصادقتها ...هذه الكتب .
أنا الذي جمعتها على حساب  حاجاتي الحيوانية ... هذه   الكتب.
أنا الذي فضّلتها علي صحّتي  وراحتي... هذه الكتب!
أنا الذي اخترتها دون أهلي أهْلا... هذه الكتب .
أنا الذي عاقبتني   الدولة الموقرة  والعائلة  المبجّلة والحبيبةُ  من أجلها... هذه الكتب.
أنا الذي عوّضت بها عن يـتـمي العاطفي... هذه الكتب .
أية محنةِ انفصال أخرى سوف يعيش القلب...؟
لماذا يكابد البشر من رُهاب الفِطام و الانْــفصال منذ قطع الحبل السُّري لديهم .؟  الكُتُبُ تـَهْرَبُ . الكتبُ تَطيرُ  كما تطير الخُبزة اُلْـمُـــرة من بين  أيْدي اُلْـمُـحْتَاجينَ  واُلْـمُحْتاجات .
هل جرّبْــتِ الجوعَ أيتها الجُدران ؟ وأنْتِ أيّــتُها الكُتُــبُ ؟
الكُتُب "تَحْرق" من البيْت  . تفوز بنفسها ...  إلى بلاد أُخْرى – ربما -  خوفا من تجربةِ  حَرْقٍ وتـَحْريقٍ  أُخْرى.  لقد رأتْ  وعاشَت تـجربة مـحنة   احْتراق كتب مثلها أخْرى هنا ... في هذا البيت  الذي هو إرث من الميراث  الاستعماري   الفرنسي  أتسوّغه على سبيل الكراء  . وهل تركت سُلالة  الطحّانة و قوادة الاستعمار  لحرائر الوطن وأحراره شيئا . لقد سرقوا الرأسمال النضالي  ونسبوه لأنفسهم وعائلاتهم .... ونهبوا الرأسمال المعماري باستحواذهم عليه ...  والرأسمال الفلاحي  بوضع اليد و الأرجل على المناطق  الخصبة...منْه  واشتروا حتى أجمل الجميلات من بنات الحرائر والأحرار بالمال  ... المال  الذي تَـخْوَصُّ له العُيون وتَـحْوَلُّ وتميلُ له الرّقاب ويـَجعل الحرائر  من "ذوات صاحبات الرايات"... "قِـحابًا".
أضعت مقياس   الحرارة واللذة و المرارة  وأضعت كما أضاع العالم البوصلة .. ولم أعد أفهم منّي ومن  أمْر تمرّد الكتب  وانقلاب القيم شيئا . لعلها تريد أن تحررني منها  هذه الكتب؟ ربّما . لعلها تريد أن تتحّرر هي  مني ؟ ربما .
لعلها تُعاقبني . ولماذا؟ لأني  استسلمت للأمر الواقع حين حشّ حشَّاشٌ بمحشّات النذالة والابتزاز العاطفي حُشاشة  باقي  كتبي التي كانت بمكتبتي قبل الحريق  ! . يمكن للكتب أن تحرّض على الحُب  والصداقة  والفتّوة والمروّة  والتّسامح ... والرأفة باليتامى والمساكين والشجر  وأبناء وبنات السبيل  والحجر ...  كما يمكن أن تدعو إلى العنف والعفن والظلم والجريمة وإن بتسميات " محايدة " و" مسالمة ".
لكن الأكيد أنه ثمة علاقة سرية بين الأطيار والأفكار التي تحوم بي في كل الاتجاهات!
كان "راسم" في ما يقول لبعض الأصدقاء ، حين هشاشته المطلقة،  يعاني مما أطلَقَ عليه " عقدة الطيّر " لديه اذْ كان  يسكنُه  ولا يزال  ذئب  النّدم  في سره من أجل تلك العصافير التي  قادها وجعُ الجوع لتقع في الشراك التى نصبها لها ... فأوْجَعَها ... حين طفولته .  وها هو الآن  في مقام الطائر الموجوع  وتلك  حكايات ومناحات  عاطفية  أخرى . .

·     
تسارعت دقات المسكين قلبي...قلبي الذي لا أردُّ علي رسائله. وفجأة حضر عندي   في خيالي " الطالب  السوسيولوجي". الأُحَـيـْمرُ.  أحيمرُ المكتبات  ذلك الهمَّامي طيب السريرة والقلب  الذي تطوّع اًكثر من مرة ليعرضني على الطبيب  على حسابه الخاص  خوفا عليّ من أوجاع قلبي .. لكنّي أعتذرت على طريقتي !

هاهي أوجاع الإيقاع تعاودني، هكذا كان يسمي راسمُ، أوجاع قلبه حين اشتداد الحب والتوغل في السوائل. حين يتذكر  بغداد  والأصدقاء ، الحضارة والتاريخ ، الأساطير ومتواليات السرد الكونية ، جلجامش / كلكامش  - أنكيدُو، الهة الحصادِ نيربا....

إنه ليستغرب كيف لم ينحر نفسه   حين " ترنّح بغداد" كما يحلو لَهُ أن يقول. هل متُّ ولم أدْر ؟  موتُ  ميتَة ّنبض القلب  أخطر الميتات ؟  السكتة العاطفية في الوطن وبين الأهل  أخطر الميتات على الإطلاق  كما يقول هو !
"الغيبوبة الحسية"  كما يقول ناجح  الحائك  الصحافي الثقافي المشاكس  بلذة لا تقاوم أحيانا  ودائما! لماذا  يتذكر الآن مرام  القصاصة والروائية ... ؟ لماذا هي بالذات! ! مرام  حامد مَـخْلوقُ الخالِق:

·     
تعْدو بي  الذاكرة
تَعْدو ويجمح الخَيال بي
أشْتبك مع الزّمان

لامكان لي في هذا  المكان
صادق هو صادقٌ طائرُ
عنقي
يا ظافر  بالوَجْد ، أنا شقيقك الحبري
يا أيها الناّجي
أنا المتدهور في المَصاعد آخر الليل
ها إني أتدهور -حين غيابك – في  المَدارج !
كيف نقتصد في لغة العواطف  يا صاحبي ؟!
كيف لي   أن أعود  إلى "كهفي الأفلاطوني"  بلا  بي !؟

أنا مريض تونسي ..
مريض تونسي أنا

كأني أعاني من أعراض سكتة عاطفية مرة واحدة والي الأبد !

أخذت أبحث لي عن  السجائر أنا الذي كنت قد انقطعت عن التدخين إمتحانا لإرادتي . آه الإرادة ! وليسَ خوفا مني علي صحتي .. إذ فكرت أكثر من مرة أن أتلفني منذ تلك الوقعة التي ذهبت ببعض أهلي هناك ...في تلك الجغرافيا البعيدة ذات قرن من القرون الخوالي.
سأموت بالجرح  .. أحس أني سأحمل  جرحا لا بل متواليات من الجراحات  معي إلي قبري :
جرح بغداد . جرح الشام . جرح فلسطين.  جرح مكتبتي . جرح الشهداء الأحرار. جرح  "سماح درة الأكوان ". جرح حبيبتي التى استبدلت حبّي بأموال ولد  حارس  السجون  بن الشّاشيّة  . ما أشدّ هشاشتي حين هذا الحين . غلبتني الآن شهوة التتبّـــغِ .

فتشت في كل الأمكنة... لا سجائر وجدتُ ولا حيرتي هدأت  ولا فهمتُ ما حدث  ..
مكتبتي الثانية  تطير من بيتي ..
وهل  لي  بيت أصلا .؟  وهل أنا حقًّا أضعتها مكتبتي؟  وإن كان كذلك ففي أي القرون أضعتها؟
·     
أيها المقيمون في الدنيا على عجل
أيها الحفاة العابرون من هنا حقيقة
ومجازا.
سلامٌ
مني إلى كل الجهات والجبهات

كنت أحببتُ أرضا
عشْتُ هواها حقيقة ومـَجَازا
وصادف  أن عاقبتني ..
كأني  في السر فضلتُ سواها
...
ها أني أعبرُ الى كتاب الكون عنها حقيقة
وليس
مجازا.


تذكرت إني أضع دائما  علي سبيل "الاحتياط التّبـــغــي"، كما يحلو للكنعاني المغدور أن يقول،  بعض السجائر في  " مخلاة الشهوات " أو " جراب السّراب " كما يطلق عليها ذلك "الناقد الغليوني"  حين يكون صحبة بعض الشّرَط الثقافية  في العاصمة التونسية !
فعلا وجدت علبة كاملة من تبغ الاستقلال .
فجأة قررت  ألاّ أدخّن.  تذكرتُ أني كتبت رسالة الي صديقي المؤرخ  " جليل رافع العَالي" أشجعه فيها علي  أن  يصبر فعلا ويصابر علي نجاح مشروعه الثوري المتمثّل في الانقطاع عن التّدخين، زمن إحالة الثورات  إلي منافض السجائر و" الأفخاذ الملكية " والحسابات البنْكية السرية "  .
كم هو ساخر وبليغ ذلك  القول  المكتوبُ على "سنْدرية" في مقهى حان " السوندريي"  والمعروفة " ببار_ مريوس"  :

"كل الأشرار يشْربون الماء ذلك ما بـرْهَن عليه الطُّوفان  "   !


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث