في الكشف عن القضاة
ونوابهم
وبيان ما يستحقه
الخائن منهم
v
( كتاب تحفة الترك
) للطرسوسي "القرن 8 هجري 14 م"
v
اعلم أني ما أفردت
هذا الفصل ، عن الفصل الذي قبله ، إلا
لفائدة . وهي أن الولاة تعلقهم بأموال بيت المال . واعتمادهم على أحكام
السياسة . وكل واحد من هذين النوعين يحتاج إلى كثرة التعهد) فيه بالكشف . أما
الأموال فالطمع فيها بالطبع . وأما السياسة فلعدم الضابط لها. فيكثر وقوع الخطأ
منهم . وبسبب الطمع تقع الخيانة منهم في الأموال . فكانوا أهم من غيرهم . ولهذا
أفردتهم بفصل على حدة . ولا كذلك أمر القضاة
ونوابهم . فإنه لا مال تحت أيديهم لبيت المال . ولا يجسر أحد منهم على
الخروج عن مذهبه . فكان أمرهم أضبط . وإن كان يقع من بعضهم ، ممن يكون جاهلاً ،
وقد ولي بالبرطيل في بعض الأوقات ، أخذ رشوة ، أو جهل الحكم ، أو ارتكاب لبعض
المعاصي . ولكنه قليل بالنسبة إلى غيرهم . وها أنا أذكر ما يجب على من يفعل ذلك منهم ، وما يستحقه
من التأديب إن شاء الله تعالى والله المستعان قد قدمت في ولاية القاضي شروطاً ، إذا
روعيت يحصل الأمن - إن شاء الله تعالى - من وقوع شيء من هذه القبائح ، من القاضي.
وإن لم يفعل ذلك فالتقصير حينئذ من السلطان والإثم عليه وعلى القاضي ) ،
لأن السلطان إذا ولى أصلح الناس وأدينهم
ممن اجتمعت الفقهاء على دينه وعقله . يبعد أن يقع منه شيء يوجب الإنكار عليه .
وإذا ولي من هو بخلاف ذلك ،فالذنب له لا للقاضي ، والإثم عليهما . لأن من لا يصلح
للقضاء ، لا يؤمن عليه من الوقوع في كل محظور وأن يتعدى إلى كل معصية وفساد . وهذا
إنما يجيء من المبرطل. فالذي يبرطل على (القضاء ، يستحق عندي التعزير بالمال
والضرب فينبغي للسلطان أن يعرف هذا الأمر ، ويجعله بين عينيه . ولا يقبل شفاعة أحد
في من يطلب القضاء . ولا يخرج عما شرطته له في ولاية القضاء فإن أصحابنا
قالوا"من طلب القضاء لا يولى ، لأن الخير في غيره " . ومن ولي بالرشوة
لا تنفذ أحكامه. ولنرجع إلى الكلام في هذا
الفصل ، فنقول : ينبغي للسلطان أن يتخذ على القضاة عيناً في السر ، ثقة ديناً
عفيفاً ، أميناً قليل الكلام ، لا يؤبه
له، ولا يدرون به أنه عين عليهم . بحيث يطلع السلطان في السر ، ساعة بساعة على
أحوالهم ويكون السلطان في العلانية )
معظماً للقضاة / ولا يظهر منه أنه يستكشف عنأحوالهم أبداً فإذا صح عنده أنه وقع من أحدهم جريمة فإن كانت من أخذ رشوة ،
أرسل إلى القاضي ، وطلبه إليه سراً وسأله
عن الواقعة فإن اعترف بذنبه ، أخذ
منه الرشوة التي التمسها من الناس
وردها إلى أصحابها وأدب الذي بذلها في السر . من غير أن يظهر له تأديبه عماذا وعزل
القاضي وكشف عنه فإن وجده التمس من الناس
مالاً ، أو اكتسبه بالقضاء أخذه لبيت المال . كالهدية ونحوها وإن لم يعترف القاضي ، وظهر للسلطان من قرائن الأحوال
أو من صدق الناقل إليه ذلك عن القاضي ، عزل القاضي ولا يظهر بأي سبب عزله . وإن
كانت الجريمة من غير أخذ الرشوة ولم يكن منأهل هذا القبيل ، وإنما كانت بسبب قوة
نفسه ، وتحامله في الأحكام ، وهوى النفس ، فيجب على السلطان عزله ، والاستبدال به. ولايغره كثرة علمه ولا ديانته
في الظاهر . فإن التحامل من القاضي من أصعب الأمور . ومما يوجب فسقه وعزله . ولا يلتفت
إلى انتصاره لحكمه ، بعد أن يعرف السلطان منه الهوى ، والغرض ، والتحامل . وله أن
يعزِّره ويشّهره ويحبسه بسبب ذلك إذا تحقق
جوره ، كي يتأدب به غيره وإن
كانت الجريمة بارتكاب بعض المعاصي ، كما
اشتهر عن بعض قضاة الشام ، في زماننا ، من شرب الخمر وغيره ، سأل السلطان عن هذا
الأمر ، من الثقات (. فإن صح عنده ذلك ، عزله وضربه سراً ، وحبسه . ولا يشهر ذنبه بين الناس . وإن
جمع القاضي مالاً من الحكومات ، أخذه السلطان منه ، ووضعه في بيت المال ، وعزله .
وإن كان هذا القاضي نائباً ، وقد قيل عنه
شيء مما ذكرنا ، كشف عن حال مستخلفه ،فإن
تبين عند السلطان أنه كان يعلم به ويستر
عليه عزله أيضاً . وإن كان لا يعلم فهو بالخيار إن شاء عزله ، وإن شاء تركه. وإذا صح عند السلطان ، أن القاضي ، جمع
مالاً ، بعد توليه القضاء وقد كان فقيراً قبل التولية ، فينبغي أن يفحص عن ذلك
الجمع . فإن كان من المنصب ، كما يأخذه بعض القضاة الشافعية ، من قضاة البر ،من مال الأيتام ، أو
الصدقات ، أو الأوقاف فإن السلطان يأخذه
منه ولا يترك في يده منه شيئا. ويضعه في بيت المال . وإن عرف أنه من مال الأيتام
أو الأوقاف رده على منأخذ منه. وإن كان من
غير متعلقات المنصب ، بأن يكون اتجر أو ورث ، أو استفضل من معلوم مدارسه. وعندي ،
أن ما يستفضله مما يرزق من بيت المال بعدكفايته ، يؤخذ منه ، ويرد إلى بيت المال . لأنه قد أعطي أكثر من الكفاية
. ومستحقه من بيت المال ما يكفيه فإذا فضل
عن الكفاية أخذ منه . لأنه لا يستحق إلا ما يكفيه
وإن كان للقاضي حاشية) وأولاد يتعرضون إلى أموال الناس وتقع مصانعتهم كما وقع في زمن الملك الناصر ابن قلاوون بمصر من قاضييه الشافعي والحنفي و عزلهما بسبب أولادهما
. فإن السلطان يجب عليه عزله وأخذ ما حصله
أولاده وحاشيته بجاه المنصب ويضعه في بيت المال . ويؤدبهم ويشهرهم ولا تأخذه رقة
عليهم . ولا يقبل في القاضي ولا في أولاده
المذكورين شفاعة أحد . فإن ذنبهم كبير ، وفسادهم كثير "
__________
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire