mardi 27 septembre 2011

الفيلسوف و المفكر التونسي سليم دولة و حديث الشجن: لهذا السبب بكيت ليلة هروب الجنيرال الفار

لم يكن لقاؤه بالصعب مثلما كان الحوار معه..و لكن دون إطالة هذا هو سليم دولة نترككم مع الحوار


بدءا،شكرا على استضافتيأيها الشقيق المصري..
وتحية تليق بمقام من  يريدون الحياة باقتدار تحيًة..من شعب اذا الشعب يوما أراد الحياة..وشكرا لروح الشقيق الشاعرالمصري  مصطفي الرافعي الحاضر بروحه الشعرية العالية..في نشيدنا الوطني.

سليم دولة 
إنه لمن الواجب الأخلاقي و الجمالي،تحية أرواح الشهداء في كل جغرافيا تونس الوطن،و لروح محمد البوعزيزي،الذي بقدحة نار أوقد،دون وعي منه،شرارة الانتفاضة،من ذلك الجنوب المقهور من قبل نظام الجنرال الفار,,,ومن قبْلُ منْ  قبل  سليله ،و إن كان مدى الامتعاض من السياسات القمعية  والمفرطة في قمعها  الى حد تبذير القمع ذاته، من قبل التجمع الدستوري الديمقراطي,, قد عمت كل جغرافيا الوطن دون استثناء و إن كانت بنسب مختلفة،غير أن لبعض الجهات استحقاقات واضحة في هذا التمرد و الذي استحال بطريقة عجائبية الى فاعل دافع لتحقيق  شروط امكان ثورة ترسم الغيات وتحدد بكل دقة الأدوات  ،من ذلك  أن أهالي جهة القصرين،قصريْ الشَوك ,,, والمُمَانعة و ليس قصر  الشوق...و جهة ‘‘تالة ‘‘و ‘‘سيدي بوزيد ‘‘و من قبلُ جهة قفصة وبالتحديد الرديف وما يعرف بأحداث الحوض المنجمي,,وسائر مناطق الاحتجاج ضد الظلم ,,والظلم المُقنَع ,,,,والطغيان السُلطوي الهذياني ,,
فتحية لأرواح الشًهيدات،كل الشيهدات والشُهداء كل الشُهداء،و تحيًة لحراس وردة ثورة الفتيان الأباة  و فتيات الثورة الأبيات ..
أما عن سؤلك حول‘‘ تونس ‘‘الأمس فيحيلني إلى مسألة الزمن. يالهذا الامس الذي يدوم ؟؟ هل قمنا سريعا بطقوس حدادنا علي الميت فينا ..
اذا تعذًر التوْزيعُ العَادل للثروة فاني أطالب بالتوزيع العادل للقمع
ثلاثة و عشرون سنة من حكم التجمًع الدُستوري الديمقراطي حزب الأغلبية كما يسمي نفسه  و الذي يظل في نواته و في أدائه و مؤسساته  وممارساته ..الحزب الواحد الوحيد الأوحد الأحد بمعني أنه لا دستوري ولا ديمقراطي ، إذ هو،و إن تجمًل،بخلق معارضات على قياسه،ونصًب أعضاء مجلس النُواب ايناثا وذكرانا ومابينهما قواما على قياسه  تَصرَف في دستور البلاد،  جعل منه مُسْودَة  يُثبتُ منها ما يُثبتُ ويَمْحُو منها مَا يَمْحُو  كَمَا تَصرَفتْ عليسة مؤسسة قرطاج الأسطورية في جلد الثور الأٌسطوري  استبلاها  للسُكان الاصليين  لبلاد ترشيش  التسمية القديمة لتونس الغابرة ...دستور  يقيسه الحاكم بأمر حسابه البنكي والرأسمال العابر للقرات ....على قياس حذاء صانع الانقلاب العسكري .. اعتمد هذا التجمع اللا دستوري واللاديمقراطي  على البنية الذهنية للحزب البورقيبي والذي هو أمتداد سلالي منه  بل هو تسميته  التمويهية  الأخري الذي صادر،وان بصيغ مختلفة أحيانا و بكل فجاجة،التاريخ المُشترك للشعب التونسي اذ  تمت مَرْكًزًة ُالكٌل حَوْلَ الذًات ...ومَرْكَزَةُ الجَمًاعة اختزالا في الواحد ..الوحيد الأوحد ..
ذلك أن استقلال البلاد مثلا ... لم يكن بنضالات و جهادات حزب الرئيس الراحل بورقيبة،مؤسس أول جمهورية في البلاد التونسية اذ الذاكرة النضالية و الجهادية قاسم مشترك بين كل الأطياف السياسية القومية و اليسارية و النقابية غير أن من يسمى "المجاهد الأكبر" قد قام بتصفية خصومه و معارضيه و الذين يمكن التنصيص عليهم باستحضار اسم،المغتال غدرا،المناضل  المجاهد الحقيقي صالح بن يوسف.
سليم دولة فترى أن ماضي تونس مُركًبٌ كما في حركات الاستقلال الكُبْرى في العالم و الوطن العربي غير أنه و بطريقة استبدادية واستئصالية تم الاستئثار بالذاكرة النضالية في اتجاه الحزب الواحد الوحيد الأوحد وكم من مرة كتبت محتجا ضد رئيس الدولة السابق السيد الجينيرال الفار حين استمعت الي خطابه المُتلفز يُرددُ حرفيا بعد مديحه البليد لما كان يطلق عليه ‘‘ الحزب العتيد‘‘ ..يردد ‘‘ نحن حزب الماضي وحزب الحاضر وحزب المستقبل ‘‘  فكتبت  أية بنيه فاشية فاشستية يصدر عنها مثل هذا الخطاب الذي يلغي كل شروط امكان الديمقراطية التي يتبجح بالانتساب اليها  .. مما يشرّع لي منهجيا الحديث عمّا يمكن تسميته"المطلق الاستبدادي"للواحد و فكرة الواحد الوحيد الأوحد والتي كنت قد شخًصْتُها ,,وأدنتها  منذ 1985  والموثقة في كتابي ‘‘ كتاب الجراحات والمدارات ‘‘ والصادر في تونس ولبنان وسوريا .
بامكاننا الاعتماد على مثال إجرائي من التاريخ التونسي المُعاصر قبل"الانقلاب النوفمبري"كنتَ عندما تفتح المذياع  صباحا تستمع إلى القرآن الكريم،ثم إلى المدائح و الأذكار النبوية،و يليها مباشرة الاستماع إلى ما كان يُسمًى وفق صياغة غريبة و دالة:"المدائح و الأذكار الوطنية"فما هو مضمُون هذه المدائح المكْرورة ؟مضمونها الإشادة بخصال"المجاهد الأكبر"وفق إيقاع مُقتَبس تماما من بنية مدائح الأذكار النبوية.
 و دون ذكاء نستنتج أن العقلية التي سكنت القائد تتوق إلى التًلبْس بصفات القداسة،فحتى على مُسْتوى الإجراءات العقابية فإن من يًكْفر بالله ينال عقاباً أقل من الذي يُطلق لسانه في‘‘ سي الحبيب‘‘...السيد   "المجاهد الأكبر".
يعنيني من هذه الملاحظات التنصيص بشدة على على أمر جلل وخطير يُعَا ني منه العقل السياسي العربي الاسلامي مشرقا ومغربا وطوال قرون . ماهو هذا الامر الكارثة  النازلة علي رقاب الخلق الآدامين والذين لم يرتقوا الى مقام المواطنين ؟انه الاحتكار والاستئثار ؟  احتكار الخطاب السياسي الأحادي لكل صفات القداسة-كل الصفات- التي تخلع ميتافيزيقيا على الله تم الانحراف بها،عن وعي و دراية و قصد،لتُخلع على الأمير ،على رئيس الجمهورية....تماما كما كانت تطلق على وريثه الانقلابي  من ذلك مثلا  نعته.. نعت السيد الجنيرال الفار ‘‘ بصانع التغيير‘‘ ..و‘‘حامي الحمى والدين‘‘..وباعث قناة 21
اما الاستئار وفى كلمة : الاستحواذ بعقلية عشائرية علي مُقدرات البلاد الصامتة والصائتة ,,,من الثرورة ...حتي أني كتبت ساخرا ‘‘ اذا تعذًر التوْزيعُ العَادل للثروة فاني أطالب بالتوزيع العادل للقمع ‘‘ ,,كلمه جعلها الطلبة  شعارا ذات سنة من سنوات مُمًانعاتهم الشاقة  والطويلة  ضد الظلم والقمع وآليات الاستبداد
و أكثر من ذلك لقد كان الزعيم بورقيبة يعيّر الشعب التونسي قائلا: أنه لم يجد في هذه البلاد ،و قد يكون على حق،غير هباءات بشرية بمعنى ذرات،فجعل منهم شعبا و بالتالي فالشعب يجب أن يَدينَ له مدى الحياة بالولاء والطاعة وكل كيمياء الخنوع ,,,, و كان من الذكاء و المقدرة على التحيّل والمهارة المسرحية ..أن يقتل الميت ويمشي في جنازته بدموع ...المفجوعين في سويداء القلب فرقا على فراق من يُحبُون   وأن يُضحي بوزرائه كلما احتقنت الأوضاع في البلاد حينها يقول ما ردد الجنيرال الفار لازمته الشهيرة ‘‘ غلْطُوني‘‘  أهلا ...أهلا ... و يتباكى بكاء مٌتلفزا مخاطبا الشعب وفق العبارة التالية"غلطوني"بمعنى أنه وقع تضليلي و التغرير بي و لا يتورع أن يصف أحد وزرائه بـ"وزير االزبالة" كما وقع في أحداث الخبز عام 1984 و التي- بالمناسبة- أترحم على كل شهداء ثورة الخبز و الذين من بينهم "سامي الأزهر دولة" أخي و هي نفس الجملة مع سابقية اضمار التكرار  ....نفس الأداء السياسي الذي سلكه الجنرال الفار حينما أعلن في خطاب متلفز بأنه لا يمكن أن يكون شمسا تُشرق على كل الجهات مستعملا  نفس العبارة"لقد تمت مغالطتي".
فنستنتج من كل ما تقدم أنه قُبيل انقضاض بن علي على السلطة و وضعه بورقيبة تحت الإقامة الجبرية كان ثمة صراع على تركة"المجاهد الأكبر" الدكتاتورالعجوز إذ كل الفاعلين  يتربص بقصر قرطاج،ينشدالتعاسة أقصد الرئاسة،و كانت الراحلة وسيلة بورقيبة زوجة الرئيس الحبيب بورقيبة الثانية أساسية إذ هي أنثىثعاب فعالة بالسياسية تُنًصب من تُنًصب من الوزراء،و تخلع من تخلع،و تتحالف مع من تتحالف،فكانت التركة ثقيلة جدا من الارتجال السياسي و سوء التقدير لما عليه الأوضاع،أوضاع تونس التائهة بلا بوصلة،غير أن هذا الاحتقان ما قبل"النوفمبري" كان يرافقه حرية تعبير،منتزعة بشجاعة من قبل الكثير من الكتّاب و الصحافيين و الإعلاميين عموما.
و يمكن التنصيص على هذه الشجاعة باستحضار جريدة"الرأي"التونسية المأسوف على اختفائها و التي كان لي شرف الكتابة فيها،كتابة أعنف المقالات من ذلك "المثقف و القطيع و النظرة الجنائزية للأيدولوجيا"و  نشرت ذلك في كتابي "الجراحات و المدارات"كنت قد انتقدت فيها الزعيم الحبيب بورقيبة مباشرة و وزيره الأول محمد المزالي و قد دفعت ثمنا غاليا لمجرد نشر ذلك المقال ،و يا للمفارقة، لقد رافق هذا حرية التعبير...كما عشنا تجربة الرقابة وأشكال القمع الفكري
من ذلك أذكر أغنية"النقابي الفصيح"للشاعر آدم فتحي،و"عباس يفقد الصواب"لحسن بن عثمان،و كتابّ"أحوال عائشة"للشاعر محمد بن صالح  و ‘‘ نشيد الأيام الستة ‘‘ لشاعر اسمه  أولاد أحمد إلى غير ذلك من الأعمال الأدبية و السينيمائية والمسرحية ,,
فترى من كل ما تقدم أن الأوضاع كانت على درجة من التعفن و الاحتقان و الألم و الشعور بالضياع المطلق لدى التونسي في معيشه اليومي. 

لقد بلغت المأساة الملهاة التونسي قبيل"الانقلاب النوفمبري"إلى حد أن الرئيس المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة طالب بأربعة رؤوس ،و هو مدون في الصحافة الوطنية،من بينهم زعيم الحزب الديني النهضوي راشد الغنوشي و الذي صرح بعيد الانقلاب النوفمبري أنه قد نجا من المشنقة:"بفضل الله و بفضل زين العابدين بن علي".
لقد  أدرك الجنرال زين العابدين بن علي و بحكم تمرسه و إطلاعه على الغرف الخلفية- و الأكيد بكل أنواع المخابرات- أن الزعيم بورقيبة سيكلفه بقطع رؤوس معارضيه من الإسلاميين خاصة،ثم سيمسح سكين الجريمة من دم المعارضين على فروة رأس زين العابدين كعادته دائما و كما سبق أن فعلها بالوزير المناضل صاحب التجربة الاشتراكية للتعاضد أحمد بن صالح الذي قلّده خمس وزارات في آن واحد فما كان من زين العابدين إلا أن فطر به قبل أن يتسحر به بورقيبة كما يقول المثل المتداول،و طلع ذات صباح على الشعب التونسي ببيانه الثوري"بيان السابع من نوفمبر"الذي أعاد الاعتبار لقيام الجمهورية و لكرامة الشعب التونسي المهدورة فما كان من أغلب النخب حتى،البورقيبية،منها أن انخرطت في مشروعه الإصلاحي،و من لا يستطيع أن يحيي صادقا ذلك البيان.
هكذا كانت إجابتي على يوسف رزوقة حول الإنقلاب النوفمبري
يعنيني أن ألاحظ أنه في اليوم التاسع من نوفمبر1987 أو خلال ذلك الأسبوع -إن لم تخونني الذاكرة- اتصل بي الشاعر المنتمي سياسيا إلى الحزب الحاكم و الذي هو"يوسف رزوقة"ليطرح عليّ السؤال التالي لجريدة"الأيام"التونسية"ما رأيك في الذي حدثّ؟"و المقصود طبعا الانقلاب النوفمبري فكان جوابي مقتضبا وفق الصياغة التالية حرفيا:"ليس ثمة ما يدعو للحزن تماما كما ليس ثمة ما يدعو إلى الفرح إني مواطن و أدعو إلى تأسيس المواطنة في بلادي على الطريقة السقراطية و أطلب الاقتصاد في الدم في بلادي إذا كان لابد من إراقة الدماء".
حين صدور الجريدة فوجئت،بل صُعقت،من المستجوبين من المثقفين تحديدا الذين ما زال حبرهم لم يجف في مديح فضائل ‘‘المجاهد الأكبر‘‘ الحبيب بورقيبة و سرعان ما استحضرت عبارة إبن خلدون :"إن السعادة و النجاح إلى جانب أهل الخضوع و التملق"و ها هم،عينهم،أنفسهم،إياهم يعيدون الكرّة كما لو أنه لا ذاكرة حبرية،و لا مرئي تلفزيوني؟؟،من كان يصف بالأمس القريب الجنرال بن علي برئيسنا "الشجاع"يبرز بوجهه ذلك عينه،إياه ليصفه بالطاعية  و بالمستبد و الطاغية...ومن أقصد غير السيد حسن بن عثمان ,,,الكاتب المشاغب والذي غتابا ما كنت أمازحه ,,مطلقا عليه صفة ‘‘ ديك المزابل الثقافية ‘‘
هو عينه،إياه،بطلعته الزكية و حضرته البهية من حوّل مجلة ثقافية إلى منبر للدعاوى السياسية للتجمع الدستوري الديمقراطي كما يصح في واحد من شعرائهم أقل نعت واحد نعت المنافق إذ كم من مرة يكتب في مديح الرئيس مستعملا عبارة"شكرا لكم يا سيادة الرئيس على ما قدتموه من خدمات للثقافة و المثقفين"مما اضطرني شخصيا بعد أن استمعت إلى خطاب رئيس الجمهورية السابق بعد ما استمعت إلى إشادته بالمنجز التجمعي في الشأن الثقافي أصدرت بيانا ورد فيه العبارة التالي و الموجهة ضد السيد الرئيس رأسا:"إن كل من يقول أن أوضاع الثقافة و المثقفين و الكتاب و الكتّاب على أحسن مايرام... و من أي موقع يبث خطابه و من قبل أي كان.. كائن من كان،و كائن من يكون،أقول عنه أنه يكذب بمعنى يضع الكلام في غير موضعه" ..وكنت قد أمليت نص البيان على الشاعر عبد الوهاب المنصورى  وكنا سننشره باسمي واسمه وحين اقترح عليً اسم الشاعرة السيدة جميلة الماجري  عدلت عن ذلك ونشرت النص باسمي مُهدي الي السيد الشاعر مَمْهُورًا بهذه العبارة ‘‘ ‘‘ بكل حزن وألم ّّّّّ‘‘
على إثر نشر هذا البيان تشكلت فكرة رابطة الكتّاب الأحرار إذ اتصل بي الروائي محمد الجابلي و الشاعر النقابي نور الدين الشمنقي و الروائي و الأستاذ الجامعي كمال الزغباني فشكّلنا رابطة الكتّاب الأحرار برئاسة الأستاذ الجامعي جلول عزونة كما انضم إلينا القصّاص الملتزم و المناضل الحبيب حمدوني و اقترحوا عليّ رئاسة الرابطة فقلت لهم:"كيف تقبلون برئيس لا منزل له و يقيم في الغرفة16من نزل فيكتوريا الكبير"فأنا مدين بفكرة رابطة الكتّاب الأحرار و التي يعترف الجميع بأنها فكرتي إلى احتياطيي الكذابين من الساسة و الشعارير الذين كانوا يجمّلون الواقع المخروب و الوضع الثقافي المعطوب.
من هنا نصل إلى الجزء الثاني من سؤالك و هو كيف كان دور المثقف التونسي ؟
سليم دولةأنا أشتغل بالفلسفة و من أولى اشتراطات الممارسة الفلسفية إنما هي الشجاعة ثم العمل على تحديد الكلمات للارتفاع بها من مجرد استعمالها العفوي إلى استعمالها المصطلحي سعيا لضمان الوضوح.
هذه الملاحظة المنهجية الميتودولوجية تشرّع لنا التساؤل عن معنى المثقف،فمن هو المثقف؟
بإمكاننا تقديم تعريف إجرائي للمثقف كما يقول"جون بول سارتر" :"إنه ذلك الذي يدس أنفه في ما لا يعنيه"لنلاحظ مدى سخرية سارتر،على طريقته،و التي يمكن ترجمة قوله وفق متداول تونسي يسمي الذي يحشر أنفه في ما لا يعنيه من شؤون الآخر بأنه "الحاج كلوف"فنقول عن فلان أنه"الحاج كلوف"بمعنى أنه لا يترك الآخرين و شأنهم كما كان سقراط - و يا للمفارقة- يفعل.
فمن هو المثقف؟..سنعرّفه بطريقة سالبة.. ليس المثقف ذلك الذي مارس التمدرس و حصل على زاد معرفي في أي علم من العلوم سواء العلوم الدقيقة،كما الفيزياء الرياضية،أو علوم الحياة أو في العلوم الإنسانية،كما التاريخ و الأنثروبولوجيا الثقافية، و إنما المثقف كل من راكم تجربة في الحياة معرفية و نضالية وسعى إلى تصريف مخزونها المادي و الرمزي للمساهمة في تغيير ما عليه الشأن العام و الأمر العمومي لصالح أكبر عدد ممكن من مواطنيه و بامكاننا أن نتوسل بمثال إجرائي.
 كان عالم الاجتماع السويسري الشهير"جون زيغلير" قد اعتمده في كتابه الموسوم بعنوان دال و هو كتاب"أدير البنادق"إذ يأخذ مثال الطبيب و مهنة الطب ليميز بين نمطين من الأطباء :"الطبيب تقني المعرفة" و هو ذلك الذي يتوفر على زاد معرفي رمزي ،رأس مال طبي ،عيادي سريري و إكلينيكي،نصفه ببساطة بأنه طبيب ماهر أو شاطر مثل هذا الطبيب المشهود له بالكفاءة العلاجية حين يكتفي بتشخيص الأعراض لمرض ما من الأمراض و علاجه بكفاءته العالية مكتفيا بإطاره المهني كأن يكون مثلا مرض الكلى و لا يتخطى هذا الإطار المهني فهذا المثقف بالمعني السيسيولجي للكلمة يظل مجرد تقني معرفي،و قد يكون من صالحه الخاص استشراء هذا المرض لأن في ذلك رواج لمهنته و مراكمة لرأس ماله المالي.
في حين أن الطبيب و المثقف إنما هو ذلك الذي زيادة على رأس ماله المعرفي و مهارته الطبية في معالجة مرض الكلى يتخطى بوعي و التزام متسلحا بأدائه المهني و التزامه السياسي إذ لا يتعامل مع المرضى على أنهم حرفاء و إنما يتعامل معهم على أنهم مواطنين ليتخطى بذلك كمجرد التشخيص و العلاج ليطرح مسألة أعمق .
 ما هي هذه المسألة؟..إنها مسألة إزالة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة ظاهرة المرض و المتمثلة في تحلية المياه.
فعندما يتخطى الطبيب التقني إطاره المهني عندها نتحدث عن المثقف.
إن هذا التوصيف للمثقف يمكن تعميمه بوعي لنتحدث عن الصحافي تقني المعرفة و عن الروائي و الشاعر و السيناريست و الرسام و الفنان.
 ففي تونس العهد البورقيبي لم تخل الساحة الثقافية من المثقفين الذين كان متعلقهم الرئيس المطالبة بالعدل و الحرية و التي كانت معلقة التونسيين الأبدية غير أنه،كما في كل المجتمعات،ثمة مثقفي بلاط ،مثقفي قصر قرطاج من دافعوا عن اختيارات الزعيم بورقيبة عن اقتناع و وعي و ثمة فيالق من حملة القلم الانتهازيين الذين كانوا دائما،كما شأنهم الآن،يجمّلون الواقع و يرتقون ثوب الحقيقة.
 و أذكر واقعة حقيقية هي بمثابة طرفة،ثمة شاعر كبير طاعن في السن الآن في الزمن البورقيبي و كان قد حصد من فواكه السلطة النوفمبرية،سبق له أن وجه خطابا لبورقيبة قائلا له:"إن مدينة المنستير التي ينتمي إليها الزعيم بورقيبة مذكورة في الأحاديث النبوية الشريفة".
 هل ثمة حقارة و نذالة و احتياطي من الغباء أكثر من هذا؟.
و إني أغبطه على هذه الرقاعة و الصفاقة و قلة الحياء المعرفي و الأخلاقي الذي يسمح له بالتكذاب عاهته المستدامة هذا الشخص عينه إياه،بلحيته تلك،و بنظارته إياها قد حصل على جوائز و الزمن ليس ببعيد من الجنرال سيد قرطاج.
أما فيما يتعلق بعلاقتي بما يُسمى،وفق نعت كريه،العهد البائد،فإن لي احتجاج على استعمال مثل هذا النعت و المتمثل في غفلتنا الخطيرة في استعمال الكلمات كيفما اتفق العهد النوفمبري لم يُبد،لأن المسألة تتعلق بمعضلة السلطة و السلطة السياسية تحديدا.
كان الفيلسوف الفرنسي الراحل"ميشيل فوكو"صاحب كتاب"المراقبة و المعاقبة"قد نبهنا بحذقه الاستثنائي إلى ضرورة التخلص من التصور الماهوي للسلطة إلى ما يمكن تسميته التصور العلائقي و الشائك للسلطة. 

 
سليم دولةالمقصود بالتصور المًاهوي للسلطة هو ذلك التمثّل الذهني الذي ينظر إلى السلطة على أنها نواة مُنغلقة على ذاتها و مُكتفية بذاتها و يكفي اجتثاثها من جذورها و بكل مكوناتها حتى تتم النقلة النوعية من نمط وجود سياسي و اجتماعي و حضاري إلى نمط آخر مغاير تماما كأن نتصور مثلا أن السلطة السياسية في تونس تكمن في قصر قرطاج و في الرأس التي تسكنه و يكفي أن نزيح الرأس القرطاجنية ليتغير ما عليه الحال بشكل عجائبي و هذا خطأ نابع من غفلة معرفية و ذهول منهجي في التفكير ذلك أن السلطة و إن كانت تنبع من قصر قرطاج فهي لا تنتهي عنده بل هي مبثوثة بشكل سرطاني في كل الاتجاهات ابتداء من حراس المؤسسات و كتّاب التقارير و لجان الأحياء و رؤساء التحرير و بوليس النجدة و حاضرة حتى في المواخير و من كنت قد أطلقت عليهم "ريحانات الحانات".
ألا يوجد كتاب يحمل عنوانا دالا ‘‘ الله امريكاني‘‘
لابد في رأيي من إعادة النظر نقديا و جذريا في مقام رئاسة المؤسسة ذاتها،وفي مقام الملوكية لدى الملوك،و الإمارة لدى الأمراء من ذلك مثلا أن معنى الرئاسة و التروُس على رأس الجمهورية يفترض،ضمن ما يفترض،استقلال القرار الوطني إن على مستوى الأداء الثقافي أو النقابي أو الاقتصادي أو الديمغرافي.
إذا استحضرنا هذه العناصر فقط نتبيّن الغياب المطلق لمعنى السيادة الوطنية ذلك أن قراراتنا و إجراءاتنا و أشكال أداءنا في جميع المجالات إنما هي مملاة على الحكومات إملاءً ا من قبل ما يسمى بـ"رأس المال الجوال"فما يسمى بالقرارات الوطنية إنما هي قرارات استعمارية بالأساس.
من ذلك مثلا السيارات الشعبية لم تكن في البدء مطلبا شعبيا و إنما فُرض على تونس أن تفتح أبوابها بلا قيد و لا شرط لشركات السيارات العالمية التي تتنافس بكل ما يقتضي منطق السوق من شراسة على السوق التونسية فما كان من هذا الإجراء إلا أن أغرق اغلب المواطنين في التداين لدى البنوك التي لا ترحم،إذ لا معنى للرحمة وفقا للعقل السوقي. أليست كل الدينات انما هي ثورات ضد الطغيان المالي القرشي القريشي ,,القاروني والهاماني ,,,؟؟ أليست العولمة ميتافيزيقا مالية ... عبادة الأخضر الدولاري ؟ ألا يوجد كتاب يحمل عنوانا دالا ‘‘ الله امريكاني‘‘ ,,,يا للتاريخ ,,,والرقاعة ؟ التونسي ,,كما العربي في عواطف التحولات الخضارية ,,بلا بوصلة ,,,
و هكذا تحول تدريجيا و دون وعي منه الإنسان التونسي إلى مجرد رقم استهلاكي في المعادلة العولمية تماما كما الأمر بالنسبة للاختيار التربوي و طرق التدريس البيداغوجية سواء في الفلسفة أو في التاريخ أو ما يسمى بالتربية المدنية إنما هي مراقبة بكل حظر و حزم من قبل القوى الإمبريالية كما الشأن بالنسبة للاختيارات الديمغرافية و نسب الولادات،كلها ليست اختيارات وطنية فترى أن الشعب التونسي في مهب رياح حضارية و سياسية و ثقافية و ديمغرافية و لغوية ناهيك عن الإنهاك الاقتصادي تترجمه عبارة دالة يرددها الجميع بصيغ  مختلفة:"العين بصيرة و اليد قصيرة"
يعنيني أن ألاحظ ما كنت قد لاحظته في مقال لجريدة "القدس العربي"أن السلطة السياسية في تونس لم تعمل فقط على استنزاف و تبذير حياة التونسيين الأحياء و إنما ذهبت إلى ابعد و أشنع و أفظع فكيف ذلك؟؟.
فقد كان من المفروض وفقا للنمو الديموغرافي للشعب التونسي أن يكون تعداد السكان مع العام 2000 بين 20 و21 مليون نسمة غير أن تفطن ما يسمى حكماء العمران البشري إلى ضرورة تحديد النسل قد أوغل في تحديد النسل فعلا بمساعدة المنتظمات الأممية خوفا من ما يسمى الانفجار الديمغرافي أو"القنبلة"الديمغرافية أنا لست ضد هذا الاحتياط الوقائي المفيد لصحة الأمهات و المحصّن للبلاد ضد الانفجارات و الأزمات و القلاقل التي تتحملها جغرافية تونس الصغيرة غير أن السؤال الحاسم:"هل حققت هذه السياسة الموسومة بالحكيمة المحلوم به تونسيا ؟"إذ كان من المفروض أن يكون الشعب التونسي قد حقق شروط إمكان حياة مريحة أو ما كان يسميه الزعيم بورقيبة"فرحة الحياة"أو ما أطلق عليه الخطاب النوفمبري"جودة الحياة".
لو قمنا برصد لما يمكن تسميته جينيالوجيا الثروة لتبيننا الأسباب الحقيقية التي قادت إلى هذه الثورة فالحكومات المتعاقبة مارست كل أشكال النهب للأموال العمومية حتى أن أحد اللصوص الذي كان على رأس "الشركة التونسية للتوزيع"و هي مؤسسة ثقافية قد نهب ما يمكن تسميته مجازا"حق التأليف الرباني" إذ اجترح لنفسه خمسة عشر بالمائة من طباعة "القرآن الكريم"كما لو كان من تأليفه.
و أكثر من ذلك حين تمت تصفية و تفكيك هذه الشركة استحال أغلب موظفيها إلى ناشرين و الذين لا يزيد مقامهم عن اللصوص الحقيقيين.
فترى من كل ما تقدم أن العهد البائد لابد له من مبيد حقيقي من أهم مهام الثورة،ثورة الفتيان الأحرار،لتوفيره و المتمثل في محاسبة قانونية و حقوقية لاستعادة كل الثروات الوطنية المنهوبة ليس فقط منذ العهد النوفمبري و إنما منذ لحظة الاستقلال و هو أمر ممكن و إن كان يتطلب إرادة سيزيفية.
يقول إبن حزم آخر أيام حياته"لابد أن نؤرخ للرذيلة"ذلك لأن للفضيلة المكذوبة كتابها على مر العصور ليس صدفة أن يرد في المتون القديمة :"احثوا التراب في وجوه المداحين"بهذا القول أصل منهجيا إلى علاقتي بثورة الفتيان الأحرار.
من أين سأبدأ لقد كنت من الأوائل الذين مروا أمام القضاء التونسي و كان ذلك عام 1989و التهمة مضحكة "النيل من الأخلاق الحميدة"و قد كنت قد كتبت مقالا عنوانه:"الإفصاح في تسمية النكاح"أو"المعمول به و المسكوت عنه"و قد نشر في مجلة "المغرب العربي"و قد كانت المجلة على ملك المناضل الحقيقي و الرجل الخلوق المنفي في فرنسا عمر صحابو و لم أمر وحدي أمام القضاء إذ كنا ثلاثة مدير المجلة و الصحافي القدير زياد كريشان.
و يعنيني أن أنوّه بعد هذه السنوات العجاف بموقف الأكثر من ثلاثين محامي تقريبا الذين تطوعوا للدفاع عنّا رغم أن رؤوس المثقفين قد برروا هذه المحاكمة بصيغ مختلفة مثل المفكر هشام جعيط الذي بررها بانقطاع الشعب عن تراثه كما ذهبت المناضلة أم زياد إلى القول حرفيا:"إن المثقف التونسي يطالب بحقه في قول القباحة"و استغربت مثل هذا الموقف ممن أعتبرهم حراس القيم النقدية في الثقافة التونسية و قد ساهمت جريدة"ليموند"الفرنسية في إخلاء سبيلنا و إسقاط الدعوة القضائية.
و سأقول لك حقيقة سبب كتابة المقال..لقد تناهى إلى مسمعي في جلسة مع من أثق به من أن السيد الجنرال قد قال :"لقد فعلتها في بورقيبة و أن كل من يعارضني ساستفعل فيه"فكتبت أنا ذلك المقال الذي قارنت خلاله السياسة بفعل الفاحشة و هو ما اغضب "السيد "الرئيس!!
أما ثاني الوقائع فيتمثل في أنه بعيد إصدار كتابي"الجراحات و المدارات"الذي بقي حوالي ستة اشهر دون تأشيرة فقد تم الاعتداء عليّ جسديا ليلا في شارع إبن خلدون و أمام المارة و التهمة هي عينها إياها:"أكتب زيد أكتب"و أحمل أثاراها على مستوى رأسي.
 و في عام2004 كنت قد أدليت بحوار مطوّل و بمناسبة الانتخابات كان قد أجراه معي الصحفي الشاب فوزي عزالدين و قد استعار لنفسه اسما تحصينا له من بطشهم،كنت قد كتبت في هذا الحوار بكل أدب من السيد الرئيس الخروج من تاريخ تونس من الباب الكبير و اعترفت له في هذا الحوار بأنه أحدث ثورة في المغلق السياسي العربي الإسلامي إذ لم تسل و لو قطرة دم واحدة عند الحدث النوفمبري و استحضرت عبارة قالها الزعيم بورقيبة حين وفاة الزعيم جمال عبد الناصر إذ قال بورقيبة :"لقد خسر عبد الناصر كل شئ و ربح موته"مشيرا إلى ضخامة الفاجعة و الحزن الذي لف الوطن العربي على وفاة الزعيم عبد الناصر إذ كان بورقيبة أنه عند موته أن يحمل على الأعناق من قصر قرطاج إلى مثواه الأخير بمدينة المنستير.
كما كنت قد نبهته إلى:"أن أخشى ما أخشاه أن الدماء التي تم حقنها أثناء التغيير النوفمبري تسيل في قادم الأيام"و لا أعلم كيف حصلت تلك المخابرات على الحوار الذي نشر في المشرق و تم الاعتداء عليّ مرتين مرة بساحة سليم دولةبرشلونة و بالتحديد في طريق المحطة و كسروا رجلي اليمنى دون أن يطلبوا مني أي شئ،و مرة كسروا حاسوبي في باب جديد أمام المارة اعتقادا منهم أنني أملك نسخة إلكترونية لكتاب"حاكمة قرطاج"الممنوع آنذاك.
أما أخر أشكال الإذلال و الإيذاء تتمثل في حرق بيتي الواقع بباب الفلة في تونس العاصمة عند الساعة الثالثة إلا الربع صباحا و إني لا أتهم وزارة الداخلية بقدر ما اتهم العصابات العائلية إذ قال حارس شعبة عزوز الرباعي :"خسارة أنه لم يمت"فما كان من الجيران إلا أن زجروه و عنّفوه فإني آسف على حرق كتبي و بإتلاف ثلاثة فصول من روايتي "أحلام اليونان"و إتلاف كامل لديوان :"حين كنت حيا مررت قرب حياة"
و من هنا نصل إلى السؤال: ماذا بدلت ثورة الفتيان الأحرار في حياتي؟
إنني في حالة هدوء و عشق إذ قبيل الثورة بما لا يزيد عن الشهر وقعت في عشق طبيبة ملتزمة مثقفة بالمعنى الذي حددناه آنفا و إن كان هذا الأمر شأنا شخصيا حميميا ذاتيا.
غير أنه بالإمكان طرح مسألة الحب زمن الحرب،و هي على غاية من الأهمية و الطرافة،إذ أنه لا يجب الخلط بين الوسائل و الغايات.
فلماذا الثورات أصلا ؟،إذا لم يكن محركها الرئيس إنما هو الحب وفقا لأسمى معانيه،حب العدل و الحرية و الحق و إعادة الإعتبار للذات الإنسانية الفردية و الجماعية باعتبارها قيمة القيم.
خطاب الحب زمن الثورة و الحرب يستدعي استنطاقا نقديا للمعجم المشترك بينها،بين الحب و الثورة و الحرب،و حتى المرض إذا ما شبهنا المجتمع بالجسد. فنقول سقط الشهيد في الحرب،كما نقول وقع الجندي في الأسر،و وقع العاشق في شراك الحب،و أطرف ما في الأمر أن المعجم العربي يعتبر الحب حالة من حالات الموت وفقا للدلالة المادية و الرمزية. 

لقد غيرت و بشكل سريع ثورة الفتيان الأحرار مني حالة تشبه حالة اليأس الذي كنت أعيش،و التي كان شاعر "الطرماح" قد وصفها معتبرا أنه لم ير كاليأس للمصائب شافيا فكتبت في جريدة "القدس العربي" نصا يحمل عنوان" وشحلة الوطن على الشوارع" كنت رددت هذه اللازمة"يائسون منهم تماما" و الخطاب موجه للملوك و السلاطين والأمراء و لمن أطلقت عليهم بطريقة ساخرة "رؤوس باذنجان على تيجان".وكان النص أصلا بمثابة الدفاع من موقعي عن المقاومة في لبنان ,
أن تكون تونسيا هو أن تحرس الثورة من أعدائها
إذا كانت الثورة تعني،ضمن ما تعنيه،اجتثاث البنى القديمة و استبدالها ببنى جديدة من اجل تقديم بديل تأسيسي جديد على السائد المتقادم فإن هذه الثورة - و إن لم تكتمل- إذ انطلقت بشكل عفوي و اتخذت لها طابع التمرد الجهوي ثأرا للكرامة اساسا فإنها هدركتني و أنا في سن الكهولة.
لقد بكيت كثيرا ليلة هروب السيد الجنرال الفار  لأمر غامض لأنه ربما فرً ببعض من تونسيتي ,,؟ كيف يحكمنا جبان طوال هذه السنين الطوااااال؟ كما  أني اعتبر أن السيد الجنرال لا يتحمل وحده ما انتهى إليه هذا المسار و أنه لابد من إعادة النظر نقديا- و بكل شجاعة- في جميع الاسباب و الفاعلين المتعددين الذين كانوا سببا حقيقيا لتردي الاوضاع على مستوى الوطن,,,الجريح بمن خانوا عقد التراب ..فلحق البلاد مالحق من الخراب العاطفي,,,
 إذ لاحظت ما عليه الطلبة و الشباب الذين أدرس من تعب على مستوى البنى النفسية حتى اني كنت أمازحهم و أصفهم بأنهم سرعان ما وصلوا إلى سن اليأس العاطفي و بلغوا الشيخوخة العشقية قبل الاوان فحين تحدثهم عن الحب أو الصداقة أو الإخلاص أو الوطن فكأنما أنت كائن آت من العصور الحجرية أقصد أننا نعيش و بطريقة معلنة ما يمكن تسميته موت الوطن لدى جيل ما بعد الاستقلال إذ انساق هذا الجيل نسقيا للاستهلاك و لا شئ غير الاستهلاك و ذلك لعوامل عدة .
إنه استهلك فكرة الوطن و فكرة الإخلاص و فكرة الكرامة.. و الأحداث كذّبت هذه الملاحظات إذ ما يظهر عليه هذا الجيل مما يسمى ميوعة و عدم الاكتراث بالسياسة أنه لم يكن جيلا ضائعا بالمعنى السلبي للضياع و هو ما يحملنا جيدا على ضرورة إعادة النظر في أحكامنا المسبقة من ذلك إعادة النظر في الشأن السياسي ألا تعني السياسة ضمن ما تعنيه تدبير الشأن العام و الأمر العمومي في إطار الممكن الجغرافي لرسم ما يمكن تسميته المحلوم به جماعيا؟.
لقد غيرت هذه الثورة في بنيتي النفسية،إذ أدركت و دون تواضع مزيف أني لم أكن على خطأ،أدعو دائما إلى ضرورة التمرد على جميع المؤسسات المتكلسة تلك التي تدير الحاضر بعقل الماضي و ترفع من شأن الوطن على مستوى الخطاب و تُفَتُت فكرة الوطن على مستوى الممارسة العملية لدى الشباب.
إن الخطاب الرسمي للتجمع الدستوري الديمقراطي الذي لم يكن امينا على غنائم الإستقلال كان دائما يردد مخاطبا الشباب :"أيها الشباب أنتم الحل و لستم المشكلة"و فعلا لقد أدرك الشباب إنما هم الحل و إن الشيوخ إنما هم المشكلة فكانت الثورة إنما هي الرد العملي و الفعلي و الممارساتي على الخطاب الشيخ.
لقد جعلت هذه الثورة الأمل ممكنا و الحب ممكنا و الفرح ممكنا بعد سنين طوال من الجفاف العاطفي و التصًحُر الوجداني.فيحدث للعنقاء أن بنارها تحترق و من رمادها تُبعث.
و يعنيني أخيرا أن أدون،لوجه التاريخ، أنه كُتب في"الصحافة التونسية" و بالبنط العريض بعد  الانقلاب النوفمبري1987 مستحضرين الكتّاب النقديين للفترة البورقيبية،كتبت الصحافة"هؤلاء قاوموا الحكومة القديمة إلى أن سقطت"و كان اسمي من بين أبرزهم و بعد ثلاثة و عشرين سنة،و كان الذي كان، ها أني ساهمت في إسقاط رأس الحكومة ما بعد النوفمبري و إني على استعداد تام أن أعين الحكومة التونسية الجديدة إذا ما انحرفت عن مبادئ الثورة و الذي متعلقها الاساس العدل و الحرية و التوزيع العادل لكل من الثروة و القمع إذا ما استلزم الأمر أن أعينها على السقوط و ذلك بإستئناف  سقرطة الفلسفة بمعنى جعلها مفتوحة على الساحة العامة و ليست اسيرة جدران الجامعات كما هو الشأن الأمس إذ من اشتراطات الفلسفة الاساسية التدرب على الحرية و الشجاعة لقول الحقيقة من اجل الظفر بسعادة الممكنة مع الآخرين و ليس على حسابهم. إذ المحلوم به ثوريا استئناف مشاريع التنوير التي حلم بها رواد النهضة العربية لذلك وجب على كل حر و حرة و من أي موقع كان العمل على حراسة وردة ثورة فتيان الحرية في هذا البلد أو ذاك. 
لقد أنهى"أومبيرتو إيكو" روايته الشهيرة"اسم الوردة"بعبارة شعرية،عالية الشعرية":لقد كانت الوردة اسما و نحن لا نملك غير الاسماء "بعد استئذان المفكر الإيطالي أقول لك إن الثورة وردة لها اسم :‘‘حرية فتيان الحرية و فتياتها ‘‘
أن تكون تونسيا هو أن تحرس هذه الوردة من أعدائها.ان الفلسفة انما هي الزهرة الراقية لعصرها ...كما يقول هيقل
وزهرة تونس المعاصرة ثورة فتياتها وفتيانها ..سلام  وأمام ويليه ,,,امام


المصدر
 alroeya-news





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث