jeudi 13 décembre 2012

حول " كتاب شقيق الورد " وحيَاله بقلم الشاعر هادي دنيال



ما أََنْ فرغْتُ من قراءة كتاب صديقي الشاعرُ التونسي الحرّ سليم دولة الذي صدَر بَعْدَ ان نزَف صاحبُه دماً على إسفلتِ ( ساحة برشلونة ) وسط العاصمة التونسيّة إثر تعرُّضه لإعتداء الجاهلةِ الجهولة  المجهولة ، أعني " كتاب ديلانو شقيق الورد " الصادر الآن وَهُنَا (تونس  2008 ) ، حتّى ناديته عن بعد بآخر سطرين من متنه الحبريّ هذا :
(صباح الحبر يا أحلى طائر ! ) ص 200
وعدتُ إلى أوَّّل سطرين من الكتابِ عيْنه بَعْد إسم الكاتبِ والمكتوب لأؤكّد ، وأنا المتأكّد من ذلك دائمًا ، أَنّّه :
(شاعرٌ حرٌّ ، يمرح  بحريّة في حدائق وحشته )   ص 3
ــ1ــ
وأنا أقرأ , كان المتْن الحبريّ بأجنحةٍ ريشها قَلَقٌ و أسى ، يعيدني إلى بقعة الدم في ساحةِ برشلونة  غير بعيد عن مكتبة ( المعرفة ) ،     ياللمفارقة !.
تَذكَّرْتُ كيفَ أنَّ أعداءنا الإسرائيلييّن كانو يحيطون بَيْتَ كاتبهم "شموئيل  يوسف عجنون " في حيّ " تلبيوت " من القدس المحتلة بلافتاتٍ كُتِبَ عَليْها ( صمتًا ! عجنون يكتبُ ! ) كي لا يُقْلق عابرٌ ساهٍ أو مُتَقَصِّدٌ بصراخه أو بمزمار عربته مزاجَ عجنون !.
وعجنون هذا كاتبٌ يهودي من أصلٍ بولنديّ ، إقتسم جائزة نوبل للآداب مع كاتبة سويديّةٍ يهوديّة أيضا ، عندما رفضها جان بول سارتر سنة 1966 .
لكنّ سليم دولة , " نزيل الديار التونسيّة " وصاحب " كتاب الجراحات والمدارات " و " الثقافة والجنسويّة الثقافيّة " و " كتاب السلوان والمنجنيقات " وغيرها ، لا يطلب ترتيب منحه جائزة أدبيّة رفضهَا فيلسوفٌ كبيرٌ كسارتر ، لأنّ صديقي الشاعر والفيلسوف " المتوغّل في عقله " وفي " شغاف قلبه " لا جائزة تليق به أقلّ من حماية كيانه المضفور من دمه وحبره جديلةً تتدلّى على كتف بلاده الأيسر ، كأنّه " تلك النجَيْمَةُ الضاحكة من قبّعة التشي غيفارا "   )ص 58 (.
ـــ 2 ـــ
فسليم دولة الذي يكتب واضعا قلبه وأرضه بين أصابعه (ص 188 ) ، هو لِمَن يجهل ذلك ، ثروةٌ وطنيّةٌ  ، مباحةٌ لطلبة المعرفة الفلسفيّة لأنّه الفيلسوف المجتهد بما يدرّسه ويؤلّفه ، ومباحٌ لقارئيّ الشعر وقارضيه لأنّه  شاعرٌ يحاول الكتابةَ بأساليب تبدو غير مسبوقة ويجلو لنا المعاني التي نشكّ بأنّها مطروقة ، وهو الثروة المباحة لِمَنْ يودّ تعلّم السلوك الوطنيّ النبيل ، فهذا المخاطبُ نفسه :
( أنا سيّد خطايّ رغم إنكساري ،
أنا شتات الروح في صحارى العرب
أنا المتماسك )  ( ص 87 ).
والمُخاطبُ ندماءَهُ  قبل سواهم :
( خمرة اللّه الحلال حرامٌ ما بيني وبينكم : ما خنتم وطنا / وخذلتُمْ أمَّةً / وأغتَلتُمْ لغَةً / وكفّرتُمْ مفكِّرًا / واغتَبْتَمْ شَاعِرًا / وحكّمتم فتوى الجحيم / في حكيمٍ )  ( ص 127 ـ 128 ).
لا يتعالى فقط على جُمَّاعِ آلامه بالقول : ( وإنْ ذبحني إخوتي أبناءُ ترابي  وغيومي ولغتي فهم براءٌ من دمي ) ( ص 81 ) بل يشحذ ما أوتِيَ من إرادة وطنيّة وينهض من فراشه رافعًا رأسه كاتمًا أوجاع كسور ساقه الثلاثة ، يجرّها بجبيرتها إلى قسم تلاميذ البكالوريا كي لا يذهبوا هم أيضًا ضحايا جناة مجهولين ، ملبيًا واجبًا وطنيًا مسؤولاً إزاء تلاميذه وضميره مؤكّدا أنّ وطنه ليس أوْلى فقط بعلمه وبمعرفته وشِعره وحبره ، بل هو أوْلى أيضًا بدمه وبجثّته عند اللّزوم .
هذا الثروة الوطنيّة والمتراس  الثقافي ضدّ كلّ تدخّل أجنبي في الشأن التونسيّ يجب أن لا يكون مباحًا لأمثال  طالبيّ أجهزةِ الهاتف الجوّالِ  عنوةً ، بل إنّ أمْنَهُ باتَ مطلبًا ثقافيّا ! .
ـــ3 ـــ
في أثَرهِ الجميلِ في جرأته والجريء في جماليّته " كتاب ديلانو شقيق الورد " الصادر في 205 صفحات عن منشورات " فتى نيربا " ، ينطلق الشاعر سليم دولة من الخاص إلى العام ، من حكاية حبّ طرفاها هو الفتى التونسيّ " شقيق الورد " وهي الفتاة العراقيّة " ديلانو" :
( وضعتُ قلبي عند مقلاع طفولتي وأدرته جيّدا كما
أدارتنا الحياةُ
وأدارني حبُّكِ
بين المَجَرَّاتِ !)  ص 198 .
ولأنّ " ديلانو" هي وردة جرحه الشرقيّة في قلبه المغربي   (ص 83 ) , فإنّ هذا الجرح العاطفيّ الذاتيّ الذي بدأ في " ساحة الفردوسِ " ببغداد عندما ألبَسَتْهُ  "ديلانو"  خاتمها وطار به غرابُ الغرفة السادسة عشر من نزل " فكتوريا الكبير " في عاصمة تونس سرّة المتوسّط ، مآله الإنفتاح على جرحٍ موضوعيّ يُلْبِسُ الشاعرَ "  كسوة آل العبّاس " السوداء .
وحين وصَفَ " ديلانو " باللّحن الأوبرالي (ص 83 ) وصف البنيّّةََ  السرديّة َ والإيقاعيَّةَ للنص بأكمله .
فَعَنْ علاقة حبٍّ عذريٍّ نسبيَّا : ( لم ألتق بها بدنا أبدًا ) ( ص 50 ) ،
يصدرُ خطابٌ شعري بصوَرٍ بسيطةٍ ومركَّبَةٍ وراقصةٍ، وبَعْضُهَا مخزونٌ في الذاكرة أحيانًا، وبنبرةٍ كونيّةٍ وهو الذي من (النُجَيْمَاتُ فوانيسه والمجّرات رفيقاتُه) (ص 27) يبدأ الشاعرُ غزله متسائلاً :
( هل يصل صوتُهَا إلى المجَّرَاتِ / ويرشو برقّته الكواكبَ / ويُرقِصُ قُطعان الغيومِ وطيّات السموات ، هَمْهَمَتْ روحي من تحتِ رخامها ونادَيْتُهَا ) (ص 18 ــ 19)
يصفها بأيقونة الدنيا ، وَمُسْتَحْضِرًا مرجعيّتها الجغرافيّة والثقافيّة    العريقة ، يواصل تساؤله : ( إبنة نينوى / سُرَّ من سمع / قُلْتُ لي / هل يصلك صوتي من بَيْن حُفيفات وُريقات أشجار شتاتي المهملة، الموجوعة ، بفراق اللّحم الآدميّ ،/ ونصّ ذََنَبِ الغزال الأنيق / وبكاء الناياتِ على فراق القَصَبِ !). ( ص  44 ــ 45 )
ورغمَ البُعْدِ الجغرافيّ بين جسديهما لكنّ " ديلانو " تمتلك كيانه : ( يا رعدًا ناعمًا يدمدم في دمي / يا برقًا يأخذ بَصَري ولا يبصرني / للنايات كما للكمنجاتِ أوجاع / ولي فتنة الذهولِ عن الخلْقِ التونسيّ) ( ص 173 ـ174 ) .
ـــ 4 ــــ
رقيقةًً كانت أم خشنةًً ، بسيطةً رقراقةً  أم قاموسيّةً وعرةً ، تبقى لغة سليم دولة في كتابه هذا عاليةً متوتّرةً مزهوَّة بمجازها وجناسها وطباقها ومحاسنها كافة .
وهو إذا يخاطب " ديلانو " ومكتبته الحبيبتين بحنوٍّ ، وكذالك ذاته المشبوحة بكبرياء على صليب التجربة بفكاهةٍ رماديّةٍ  ، وإذْ تبدو لغته محايدة حين  يكون محمَلُهَا فلسفيًّا أو يتوخّى  الحكمةَََ ، فإنّها مع خصومهِ تكون عنيفَةً حاسمةً لأَنَّ ( سوء الأدب مع المحقور إبن الحقير ، تمَامُ الأَدَبِ تلك حكمة أحرار العَرَبِ .. ) ( ص . 139 ) ، وهنا نشير إلى أنَّ الخصْمَ هُنَا لَيْسَ المخالف في الرأي بشأنٍ تَفْصيليّ أو المختلف في المزاج عن الشاعر ، بل هو الظالم الكونيّ وَتَوابِعُه  المحليّون /  عملاء الأجنبيّ  !
فعندما يخرج المعنى من الذاتيّ إلى الموضوعيّ يُعْلِنُ الشاعر الذي لا يستطيع خيانةَ التراب رغم العذاب ( ص  49 ) ولا يبيع الأرض التي يمشى عليها الإنسان  ( ص . 145 ) ، أَنَّ ( بغداد  ما سقطَتْ .. بغذاذ ترنَّحَتْ . بغداد تتشَمَّسُ في تفاصيل ظلّها ..  أهلها أَعْرَفُ بطقوس سرّها ورقصِ وجعها السلاليّ  ! ) ( ص . 137 ) .
( الذي سقَطَ هو قلبي ) يصرخ سليم دولة متفجِّعًا ، ويحَذِّر من الخَوَنَةِ وسحابهم اللّغويّ ، لأنّهم ( غداّرونَ ومغدُورٌ بهم يدورنَ مع  الدولار حيث يدور . أو أيّ شيء كهذا  ! ) ( ص . 167 ) .
وفلسطين التي تحضر في حوار مع غزال وَقْتِهَا ، شاعرها " إبن حوريّة " ( ص . 79 ـ 80 ) تُختَصَر بعبارة : ( لوحدها كان ما لا يجب أن يكون )  ( ص . 148 )  .
وفي هذا السياق يمكن لسليم دولة الشاعر أن يُسَمِّي كتابه هذا ( معلّقة الفتوَّة والحبّ عند العرب ) فذلك متَحقِّقٌ في بلاغة لغته المجازيّة وفي أغراض نصّه الذي تعدَّدَ أبطالُه ( ديلانو ، شقيق الورد ، بغداد ، تونس، أمّته وشعبه ) فضلا عن تلك البطلة التي تشفّ عنها ستائرُ الكِتَابِ كلّها : مكتبته ، بمعاجمها خاصّةً، أي كبرى مرجعيّاته التي خَصَّها ( الراسخُ في الكتُبِ ) بخطاب لا يقلّ رقّةً ووجْدًا عن الخطاب الذي خصّ به  " ديلانو"  ــ الخطيبةَ الغائبةَ :
( أنا زوج مكتبتي / ومكتبتي زوجتي / أشتاقُها وتشتاقني / أُمَرِّرُ أناملي على شفتيها / تكاد تعضّني كما قُطيطة طفولتي )  ( ص , 162 ) .
ـــ 5 ـــ
بالإشارة إلى حضور اللغة الآسِر ضمْن تصوُّر سيمفونيّ مُسْبَق أوْ مُرافق لعمليّة خَلْق النصّ نَضَعُ الإصْبَع برفقٍ على عَصَب هذا النصّ الأوبراليّ في غنائيّته وسرده ، الأوكستراليّ من حيث بنيته الإيقاعيّة  .
ولكن لا بُدَّ أَنْ نُعَرِّجَ على ظلال أخرى ، أو على خيوط لم تفارق  نسيج النصّ الذي هو غير موزون ومقفّى ، رغم وجودٍ نادرٍ للقافيةِ في أكثر من مَوْطِن ، كما يعترضنا بَعْضُ قصيدةٍ للمتنبيّ وبَعْضُ أُخرى للشنفرى ، ضمّنهما الشاعرُ المفتونُ بلغة الأدب العربي وأجناسه ، قديمها وحديثها ، كتابَهُ هذا ، الذي تضمّنَ أيضًا سيرةَ الشاعر وسيرورتهِ الوجوديّة والثقافيّة والسياسيّة وأسرار لغته .
وإذا كان لكلِّ فيلسوف وثائر نزوعه الشعريّ  ، يعبّر عنْه البَعْضُ سلوكيًّا ، والبَعْضُ الأهمّ حبريًّا أيضًا ، أي بكتابة شعريّة ، فنذكرُ هُنَا بلا حصر: " نيتشه وماركس ، ماوتسي تونغ  وغيفارا " .
وإذا كان بَعْض الشعراء يتفلسف أحيانًا ، ولنا في أبي العلاء المعّري المثال الأَنْصَع ؛ فإنّ صديقي الحميم حتّى نخاع الحبر ( سليم دولة ) خارجٌ كبير على الفلسفة إلى الشعر وعليه إلى الفلسفة ، لأنَّه خارجٌ إليهما من متونٍ تضمَّخَتْ بِعَرَقِ روحه وجسده هو القارئ الكبير ينهمر يَراعُهُ على صفحاتٍ بِيْضٍ تتشهى دفْقَه  الحارثَ بلغةٍ فَحْلَةٍ تُخْصِبُ الصفحات بالمفردات اللواقح .
ــ 6  ـــ
ولا يتردّد  ( سليم دولة ) في استخدام  مفرداتٍ معجميّة تعجبه فيتغنّى بجرْسها ودلالتها ، ولأنَّه  غَيّر معنّي بوصيّة ( خَلَف ) لأبي نواس :
أن يحفظ شِعْرَ غيره وينساه قَبْل أنْ يبدأ نَظْمَه  هو ، فإنَّ شاعرنا يقرأ ولا ينسى ، فتفيض ذاكرته مُسَرْبِلَةً متْنَه  الحِبْريّ ، عناوينَ كتب وأسماءَ كتّابٍ وأنهج ومدائن وخمورٍ وباراتٍ ، وأحيانًا يورد من ذاكرته مقطعًا من أغنيةٍ ، أو فقرةً كاملةً من نصٍّ لغيره كأنّه يمتحن قراءه ، أو كأنّه من شدّة افتتانه بهذه الفقرة ينسبها إلى يراعه ، أو ينسى في ذروة انتشائه بها أنّها لآخر .
ففي هذا الكتاب لدارسيّ ظاهرة التناصّ المُضْمَر أو السافر صَيْدٌ وَافِرٌ . أَلَم يُشِرْ صديقُنا الناقد المبدعِ ( مصطفى الكيلاني ) ــ لم أَعُدْ أذكر أَيْنَ ــ إلى أنّه (في كلِّ كتابةٍ ضَرْبٌ مِنَ القراءة ) ؟ .
ــ 7 ــ
وافتتان ( سليم دولة ) باللّغة مُعْدٍ ، وسرعان ما ينتقل إلى قارئه أو  سامعه ، ذلك أننا لن نجد صعوبةً في إدراك أنَّ الكاتب يكرّرعباراتٍ وَجُمَلاً بِعَيْنِهَا كأنّها اللازمة تقوم بوظيفة إيقاعيّة ، فَنَتَيَقَّنُ من أنّ الشاعر ( يرقص مع لغته ) ( ص . 122 ) .
وقد ذكّرني هذا المناخ الصوفي في التَعَامُلِ الراقص " المُتَسَلْطِنِ " مع اللُّغَةِ بِتَسَلْطُنِ المغنّي السوري الكبير ( صباح فَخْري ) وتلك الرقصة الأخّاذة الدائريّة  التي يؤدّيها في ذروة " تَسَلْطُنِهِ " ! .
فالشاعر الذي " يقرأ كتابَ الكون بقُوَّةٍ " مُنْجِزًا من خلال هذه القراءة المُبْدِعة نصّه الفريد حين يُؤْخَذُ بكليّتِهِ ، لا يخفي كَرَم روحهِ العازمة دومًا على إمتاعنا بما اسْتَمْتَعَ بهِ في مسيرته كقارئ من طراز خاصّ  فَيَدْفَع  عبْرَ تموُّجات النصِّ وإلى سَطْحهِ بهذهِ الحكمةِ وتلك العبارة أو المُفْرَدة القاموسيّة أو الإشتقاق اللّغويّ ، ناهيكَ عن المناخات والتراكيب اللّغويّة الصّوفيّة ، متلاعبًا بالمفردات ، مُخَاطبًا اللغة :
( عَذَّبَتْنِي عذوبةُ المجازِ
وَطَقْطَقَةَ عظامِ الصَّرْفِ وَحِيَلُ النَّحْو
وكيمياءُ الإعرابِ ونَذَالَةُ الأَعْرَابِ الجدد
مع أحرار العَرَبِ
وما لا يُسَمَّى .. ) ( ص. 34 ــ 35 ) .
وَكَمَنْ يَغْتَسِلُ بالحِبْرِ المضيء ، يَخْتَبِرُ الشاعرُ الذي ( يَتَشَمَّمُ طَعْمَ الكلمات ) ما تختزنه الذاكرةُ من أساليب الكتابة  الشعريّة ، قديمها     وحديثها ، ويعرضها في سياقٍ كرنفاليّ لا يراوحُ بَيْنَ غنائيّةٍ ذاتيّةٍ وَسَرْدٍ بِنَبْرةٍ  ملحميّة ، بل كثيرًا ما يُجَاوِزُ ذلك من خلال البناءِ والتخطيط  العام للنصّ الذي يمنح تفاصيله وأجزاءه خصوصيّةً جديدةً ,وَبَصْمَةَ ( سليم دولة ) التي تميّزُ كتابتَهُ عن كتاباتِ بقيَّةِ الخَلْقِ التونسيّ والعربيّ .
**
أخيرًا مِنَ الخَطَر أنْ يُحاكى نَصُّ ( سليم دولة ) الشعريّ أو يُقَلَّدُ ، لأنّه وإن كان يوحي بِتَمَوْضعه  في منطقةٍ مِن شعر الغَزَل  تَنُوسُ فيها " ديلانو " وتتوهَّج في ذاكرة المتلقّي بَيْنَ ليلى قَيْس  وإِلْزا أراغون ، فإنّه فَضْلاً عن رؤيته ورؤياه  الكونيّتين ــ نَصَّ شعريّ غير مسبوق في بنائه ، رغْمَ أنَّه من السَّهْل الممتنع الذي يُغْري بالتنطُّع إلى الكتاية . ذلك أَنَّ إنجازَ نظيرِ هذا النصّ المُحَفِّز يتطلَّبُ  من   المُقْدمِ  على مُغَامَرةٍ كهذه  أن يستنسخَ ( سليم دولة ) بتجربته الحياتيّة والثقافيّة وَبِجُرْأتِهِ في الحياة والكتابة ، وإلاّ  فسنكون إزاء تداعيات أشدّ فوضى غير خلاّقة من تداعيات قصيدة النثر .
ويبقى أن أقول : لَو حَذفْنَا من ( كتاب ديلانو شقيق الورد ) كُلّ عبارة أو جملةٍ شعريّة أو سرديّة تكرّرَتْ ، قد يكون أكثر رشاقة وَتَماسُكًا ، لكنّه أيضًا قَدْ يَخْسَر أوبراليّته ويكتفي بالتماعاته الشعريّة المكثّفة .
ورغم أنَّ هذه الإلتماعات كفيلة وحدها بتكريس ( سليم دولة ) شاعرًا مجيدًا ، لكنّنا بتمرّده على قوانين الجماليّات نحبّه أيضًا ونستمتع بقراءةِ متونه وهوامشها ونفيد منها جميعًا .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

محرك البحث